قبل سنوات قليلة خرج احد كبار المسؤولين وقال في مقابلة صحافية نشرتها »العرب اليوم« ان ادارة الاوطان مثل ادارة الشركات, وقد أثارت تلك العبارة موجة انتقادات لاذعة من فعاليات عديدة بالمجتمع سواء كانت رسمية أو خاصة, على اعتبار ان الفرق بين الاثنتين كبيرا ولا يوجد وجه شبه بينهما, وقد أُتهم منتقدو المفهوم بأنهم رجعيون.
للأسف سأضطر في مقالتي ان اتعامل مع المفهوم السابق على اعتبار انه صحيح, واتساءل: هل طبق انصار الليبرالية الجديدة في الاردن هذا المفهوم, او هل يرغبون باستكمال تطبيقه حتى يتسنى للاردنيين الحكم على النهج السابق بموضوعية, وحتى يتسنى ايضا لليبراليين الدفاع عن انفسهم تجاه الانتقادات التي توجه اليهم بين الحين والآخر والتي تحملهم مسؤولية الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الاقتصاد الوطني منذ سنوات.
اذا طبقنا مقولة ان ادارة الاوطان مثل ادارة الشركات فان هذا يعني ببساطة وضمن مفهوم السوق ان الشركات تلجأ في نهاية كل فترة محاسبية تعتمدها - وعادة ما تكون في نهاية كل عام - الى اقرار النتائج المالية لها, وعلى ضوء تلك النتائج يجري تقييم السياسات التي اتبعت وادت الى النتائج, فاذا كانت ايجابية فان ادارات الشركات تقدم الحوافز للقائمين عليها نتيجة عملهم الذي ادى الى نمو نشاط الشركات, وفي حالة وجود نتائج مالية مخيبة فان الهيئة العامة للشركات والمساهمين يلجأون الى تغيير ادارتهم اذا ثبت تقصيرها في العمل ويقومون باعداد فريق جديد للنهوض بأنشطة الشركة ويتم محاسبة الادارة السابقة على انشطتها لكي لا تكرره الادارة التنفيذية الجديدة.
هذا بالنسبة للشركات, اما الاوطان فاننا سنسقط الحالة السابقة عليها, وسنجد فعليا ان الوضع قد يكون مشابها من حيث الشكل فقط, مع الاختلاف الجذري الذي سيتضح لنا آخر عملية المقارنة.
الاقتصاد الاردني وبعد عشر سنوات من سيطرة الليبراليين على ادارة دفته وتحكمهم في العملية التشريعية والمؤسسية للاقتصاد, واشرافهم على كل صغيرة وكبيرة حدثت مثل التخاصية ومعالجة المديونية وتقوية الخزينة وزيادة تنافسية الاقتصاد, نجد ان النتائج بالارقام كانت مخيبة للغاية.
فالمديونية عادت للارتفاع بشكل اعلى مما كانت عليه صبيحة انهيار الدينار سنة ,1989 وقد تجاوزت الآن سقف ال¯ 9.2 مليار دينار منها 5.2 مليار دينار دينا داخليا رغم ان الحكومات لجأت لاستخدام عوائد التخاصية البالغة ملياري دينار في شراء الديون من نادي باريس بحجة تخفيض المديونية. هناك عجز مالي هو الاكبر منذ عقدين من الزمان, ومن المرجح ان يتخطى ما مقداره 1.1 مليار دينار, تراجع ملحوظ في ايرادات الخزينة بسبب التباطؤ الذي دخل به الاقتصاد, وسوء في تقديرات الايرادات في الموازنة, وحدوث فجوة سلبية بين المحصل من الايرادات والمقدر بعد ان كانت في العادة فائضا ضمن ما يُعرف بالتحوط في الايرادات, كما ان جميع التقارير الاقتصادية الدولية تشير الى تراجع مرتبة الاردن في اغلب مؤشرات التنمية آخرها كان تقرير التنافسية الدولية الذي اظهر هبوط الاردن درجتين واحتلاله المرتبة ال¯ (50).
ولا ننسى ان الاقتصاد الاردني اليوم بات اكثر اعتمادا على المساعدات الخارجية عكس خطابات الموازنات العامة التي تتحدث عن ان الاقتصاد سيعتمد على الذات في المستقبل, وقد اصبحت الخزينة الاردنية السابعة في العالم من حيث الاعتماد على المنح, وحصة كل فرد تعادل ما يقارب ال¯ 150 دولارا.
كما ان النتائج المالية للسياسات الاقتصادية تدلل ان مساهمة القطاع العام في الناتج المحلي الاجمالي هي من اعلى ثلاث دول في العالم بعد اسرائيل والسويد, وبلغت حولي 56 بالمئة من الناتج, علما ان الاسراع في برنامج التخاصية كان تحت حجة ان القطاع الخاص يجب ان يكون قائد التنمية ومحركها ويكون للقطاع العام الدور الاشرافي والتنظيمي للاقتصاد, الا ان ذلك للاسف لم يحدث.
طبعا هناك مؤشرات اخرى تتعلق بتنامي ارقام البطالة وانتشار جيوب الفقر وتراجع في الانتاج الصناعي وهبوط في الصادرات والحوالات ودخل السياحة وتراجع كبير في التدفقات الاستثمارية.
ما رأي اصحاب الاقتصاد الفهلوي او من يسمون انفسهم بالليبراليين الجدد بتلك النتائج, الا يستحقون - حسب قولهم ان ادارة الاوطان مثل ادارة الشركات - المحاسبة على اعمالهم وانشطتهم وادارتهم للاقتصاد الوطني? فالامور تقاس بخواتيمها يا سادة يا كرام.0
salamah.darawi@gmail.com