الشراكة بين أوروبا والعالم العربي، التجربة الاردنية مثالا
09-05-2019 07:12 AM
بقلم : اندريا ماتيو فونتانا، سفير الاتحاد الاوروبي في الاردن
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما فقد الملايين أرواحهم وتركت أجزاء كثيرة من أوروبا في حالة دمار، أطلق السياسي الفرنسي روبرت شومان العملية التي من شأنها أن توحد البلدان الأوروبية اقتصاديًا وسياسيًا. كان ذلك في 9 مايو 1950. ومنذ ذلك الحين، استمرت عملية التكامل الأوروبي بشكل تدريجي ومستمر، لتشكل ما أصبح معروفا اليوم بالاتحاد الأوروبي الذي وحد قارة انقسمت خلال الحرب الباردة.
الاتحاد الأوروبي اليوم عبارة عن شراكة فريدة من نوعها بين 28 دولة من الدول الأعضاء تشكل سوقًا واحدة تضم 500 مليون مستهلك، تدعمها عملة واحدة (اليورو) وحرية مواطنيها في العيش والعمل والسفر في أي من الدول الأعضاء.
لكن الاتحاد الأوروبي أكثر من مجرد مشروع اقتصادي بحت: فهو أيضًا مشروع سياسي. يتجسد ذلك في البرلمان الأوروبي الذي ينتخب ديمقراطيا من قبل جميع المواطنين الأوروبيين لاختيار من يمثل مصالحهم فيما يتعلق بقوانين الاتحاد الأوروبي. وسيتم تجسيد هذه الديمقراطية في الفترة بين 23 إلى 26 مايو، حيث سيصوت الناس لتعيين 751 عضوًا في البرلمان الأوروبي.
نما هذا المشروع السياسي على مر السنين حول القيم الأساسية لاحترام كرامة الإنسان والحرية والديمقراطية والمساواة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. هذه هي أيضًا القيم التي يروج لها الاتحاد الأوروبي على مستوى العالم من خلال مشاريعه وشراكاته مع الحكومات والمنظمات والأفراد، لتعزيز النمو الاقتصادي والسلام والأمن، لا سيما في البلدان القريبة منا.
ومن الأمثلة الواضحة على ذلك العلاقات الوثيقة للاتحاد الأوروبي والشراكة الاستراتيجية مع العالم العربي، والتي بنيت على مدى عقود على أساس تاريخنا ومصالحنا المشتركة. تم اتخاذ خطوة مهمة لتعزيز هذا التعاون أخيرا عندما عقد الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية أول قمة لهما في شرم الشيخ لتعزيز الشراكة الأوروبية العربية والتصدي للتحديات العالمية بشكل مشترك. وأكد الجانبان خلال القمة على أن التعاون الإقليمي هو مفتاح لإيجاد حلول للتحديات المشتركة. ووافق قادة أوروبا والعالم العربي على تعزيز السلام في العالم وفي المنطقة، وخاصة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وفيما يتعلق بهذه القضية بالذات، عمل الاتحاد الأوروبي بشكل وثيق مع الدول العربية، مشددًا على موقفه الثابت من حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق سلام عادل ودائم وشامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي الأردن هذه الشراكة واضحة للغاية. إنها شراكة نمت منذ عام 1979، أي قبل 40 عامًا، عندما قرر الاتحاد الأوروبي انشاء بعثة له في عمان من أجل تعزيز العلاقات في جميع القطاعات ودعم التنمية الاقتصادية في المملكة. ومنذ عام 2002 تم تكريس هذه الشراكة في اتفاقية الشراكة الخاصة بنا، والتي تقوم على قيمنا المشتركة وتهدف إلى تعزيز علاقاتنا السياسية والاقتصادية.
وكانت هذه الاتفاقية حجر الزاوية في تحديد الأولويات الرئيسية التي تبنى عليها شراكتنا. وهي تشمل التعاون لتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين، بما في ذلك العمل يداً بيد في عملية السلام في الشرق الأوسط وفي إيجاد حل سياسي للأزمة السورية. نحن نؤمن إيمانا قويا بدور الأردن الهام في تعزيز الاستقرار والاعتدال والتسامح بين الأديان في الشرق الأوسط.
بالنظر إلى التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن، تكمن أهم الأولويات اليوم في تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة القائمة على المعرفة والابتكار، مما يؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل لجميع الأردنيين - النساء والشباب على وجه الخصوص.
وهناك اولويات أخرى تهدف إلى تعزيز الحكم الديمقراطي وسيادة القانون وحقوق الإنسان، تماشيا مع اتفاق الشراكة. ويتم التركيز على عملنا مع كل من الحكومة والمجتمع المدني لتعزيز حرية التعبير وحقوق المرأة وتمكينها في الحياة السياسية والعامة.
كما تتوافق أولويات هذه الشراكة بشكل كبير مع مشروع النهضة الحكومي للفترة 2019-2020 حيث تدعم مشاريع الاتحاد الأوروبي العديد من الإجراءات الملموسة المشمولة في الخطة في إطار محاورها الرئيسية الثلاثة، من تحسين الخدمات التعليمية والصحية، إلى تشجيع الاستثمار والتجارة، بالإضافة إلى تمكين القضاء وتطوير المواطنة النشطة.
إن شراكة الاتحاد الأوروبي الدائمة مع الأردن مثال على تعاون أوروبا الاستراتيجي مع الدول العربية، وتوضح التحديات التي نتشاركها وكيف يمكن أن يساعد تعاوننا في تعزيز السلام والازدهار في المنطقة لصالح جميع الأردنيين والعرب والأوروبيين.