تسرعت الحكومة في إطلاق تصريحات مبشرة حول مخزون بئر غاز جديدة في منطقة الريشة. وربما تكون الشركة الوطنية للبترول قد ارتكبت الخطأ، خصوصا إن التقييم النهائي لإمكانيات البئر ستعلن خلال الشهر الحالي، فماذا يضير الشركة لو انتظرت أسبوعين على أبعد تقدير قبل التورط في رفع سقف التوقعات.
عدد الآبار في حقل الريشة 45 بئرا تنتج حسب بيانات الشركة 9ملايين متر مكعب من الغاز يوميا، بينما معدل الاستهلاك اليومي للأردن 330 مليون متر مكعب. وخلال ربع قرن تقريبا بلغ إنتاج آبار الحقل حوالي 221 مليار متر مكعب، وتقول البترول الوطنية إن هذه الكمية تعادل استهلاك الأردن في عامين لا أكثر.
نحن إذا أمام حصيلة متواضعة جدا، لم تفلح كل جهود التنقيب والحفر على مدار سنوات طويلة في زيادتها. والمرجح أن البئر الجديدة مهما بلغت طاقتها الإنتاجية، فلن تبدل كثيرا بالمعادلة الحالية.
أتمنى مثل كل أردني اكتشاف كميات كبيرة من الغاز والنفط في باطن أرضنا، تكفي حاجتنا ونصدر الفائض مثل جيراننا. ونعلم أن ذلك هو حلم كل مواطن أردني.
لكن الخطورة في التصريحات الحكومية المتسرعة أنها تغذي الانطباعات السائدة عند قطاع واسع من الجمهور عن وجود كميات مهولة من النفط والغاز في الأردن، تمتنع الدولة عن استخراجها لأسباب غامضة يعزوها عامة الناس للمسكون من نظريات المؤامرة.
كثيرون بيننا سيمسكون مستقبلا ببيان شركة البترول وتغريدة رئيس الوزراء بهذا الشأن كدليل على صحة انطباعاتهم بوجود النفط والغاز وتقاعس الحكومات عن استخراجه.
مثل هذه القضايا الحساسة ينبغي تركها للفنيين لتقرير أمرها بعد التأكد بشكل قاطع من النتائج النهائية، ففي سنوات سابقة وقع مسؤولون بنفس الفخ، واطلقوا تصريحات متفائلة عن قدرات حقل الريشة وسواه من أعمال التنقيب التي شهدتها مناطق واسعة، وتبين بعد ذلك عدم دقة التوقعات.
شركة البترول نالت الدعم المطلوب من الحكومة الحالية للتوسع في أعمال التنقيب، وهذا قرار صائب، وهي تعمل بكل طاقتها لتحقيق استراتيجيتها بزيادة مساهمة المصادر المحلية من الطاقة من إجمالي الطاقة المستهلكة . وأبرز الخطوات المتخذة، التوسع في حفر الآبار الاستكشافية. لكن ذلك الجهد على أهميته، يحتاج لوقت طويل قبل حسم النتائج. وإلى ذلك الحين يتعين على الشركة أن تتمسك بحذرها في إطلاق التصريحات حتى لا تواجه مستقبلا بالاتهامات أو تساهم دون قصد في تضليل الرأي العام.
فاتورة الطاقة كابوس الأردن، وستبقى كذلك إلى أن نتمكن من تطوير مصادر بديلة تخفف من وطأتها على موازنة الدولة. لكن من بين الخيارات التي يعول عليها أصحاب القرار الطاقة البديلة وتنويع خيارات التزود بالطاقة أكثر من تعويلهم على اكتشافات نفطية مفاجئة.
على الجانب الآخر، نتفهم رغبة الحكومة وحاجتها لبث روح التفاؤل والأمل في أوساط الأردنيين، لكن ما نخشاه هو المبالغة والإفراط بصرف الوعود والتمنيات التي لا تستند لحقائق أكيدة، وعندها تقع في شرك التضليل، فما بين الحقيقة والخداع خيط رفيع.
صحيفة الغد