الولايات المتحدة تحرك حاملات طائرات للخليج العربي، وزير الخارجية الأميركي يلغي زيارة لألمانيا معللا ذلك بتهديدات إيرانية محدقة وأن واجبه التأكد من سلامة الدبلوماسيين الأميركيين في الشرق الأوسط، وزير الخارجية الإيراني يتحدث عن قدرات بلاده العسكرية وأنهم لن يسمحوا بمرور النفط عبر مضيق هرمز إذا لم يكن النفط الإيراني من ضمنه، وتقارير تشير إلى استنفار إيران لأذرعها العسكرية والأيديولوجية الموالية لها في الإقليم. كل هذه الإشارات تؤكد على ملامح مواجهة عسكرية من درجة ما بين أميركا ومن معها، من جهة، وإيران ومن والاها من الجهة المقابلة.
العقوبات الأخيرة على إيران كانت سببا رئيسا في هذا التصعيد الأخير، حيث أنها وصلت إلى درجة هددت وجود النظام واستمراره، واستهدفت طهران ورأس النظام وليس أذرعها المنتشرة بالإقليم كما كان يحدث سابقا. العقوبات جردت إيران من قدراتها الاقتصادية والمالية المهمة والضرورية لاستمرار نفوذها الإقليمي، ولقدرتها على الحفاظ على السلم الأهلي لشعب يعاني اقتصاديا ومعيشيا.
أي مواجهة عسكرية ستكون محسومة النتائج لصالح المعسكر الأميركي، ولكن بلا شك ستكون، أيضا، مكلفة على الطرفين، وقد يكون ذلك محفزا أساسيا لقبول تدخل طرف ثالث محايد لنزع فتيل المواجهة، ولكن مهمته هذه لن تكون يسيرة لأنه الواضح أن الولايات المتحدة وحلفاءها لن يقبلوا باستمرار السلوك الإيراني حتى لو وصل الأمر إلى مرحلة المواجهة المباشرة وإسقاط النظام من خلال العقوبات أو أي أداة أخرى.
لن يكون أمام إيران إلا الموافقة على شروط تسوية تستجيب بشكل واضح لكل الهواجس التي أوصلت مرحلة المواجهة معها إلى هذا المستوى من التصعيد، وإيران تاريخيا استطاعت أن تنحني عندما تكون سخونة المواجهة قد اشتدت.
خطاب إيران السياسي وسلوكها الإقليمي كانا سببا أساسيا في تضاعف عدد الدول التي باتت تراها تهديدا مباشرا لأمنها واستقرارها في الإقليم الذي يزود العالم بزهاء 60 % من احتياجاته النفطية، وقد كان لسنوات من هذا السلوك أثر مباشر على انعدام الثقة بإيران ووعودها، وهو ما يزيد من احتمالات عدم التمكن من نزع فتيل الأزمة الحالية.
لتجاوز الأزمة وتجنب المواجهة، إيران معنية بإدخال مراجعة حقيقية قابلة للقياس لسلوكها الإقليمي وسياستها الخارجية والأمنية. وإذا كان هدف إيران الاستراتيجي أن تكون دولة مهمة ومفصلية في الإقليم وتأخذ ثقلها بحسب حجمها، فلا بد لها أن تستجيب لهواجس دول الإقليم والعالم وتكف عن تصدير عدم الاستقرار وزعزعة الأمن كأحد أهم أداة من أدوات سياستها الخارجية. إيران يجب أن تماهي ما بين خطابها المعلن وبين أفعالها الميدانية التي كانت سببا أساسيا لضرب الاستقرار والأمن في عدد من دول الإقليم، ويجب أن تحدث تحولا أيديولوجيا ينهي فكرة تصديرها للثورة ويحترم الجيران وأمنهم واستقلالهم وأوضاعهم الداخلية، ويجب عليها أن لا تتوقع أن يقفوا مكتوفي الأيدي وهم يراقبون محاولاتها المتكررة للنيل من دولهم واستقرار مجتمعاتهم.
صحيفة الغد