الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" لم تمت، وهي تعود بحيوية وجرأة وتقدم نموذجا يحتذى في اقتحام الآفاق واختراق التابوهات. فقد أعلن منسق الحركة عن اتخاذ خطوات اجرائية لملاحقة جمال مبارك نجل الرئيس المصري قضائيا باتهامات تتعلق بمصادر ثروته، وانتحال صفات سياسية ليست له عبر قيامه بأدوار سياسية من دون سند دستوري وتشريعي.
هذا الدور الطليعي لحركة كفاية له ما بعده؛ فالجرأة على مواجهة سلطة القيادة بسلطان الحق والأخلاق والقانون والكبرياء الأهلي الوطني والحضاري لا يمكن قمعها، وهذه الحركة لا يمكن إخمادها فهي تمثل ذروة المسؤولية المدنية، من دون مصالح انقلابية ولا أجندة ايدولوجية، وستتمدد مثل بقعة زيت وسيكون خطاب السلطة ضعيفا وكسيرا أمامها.
ان أوقاتا صعبة تنتظر مشروع التوريث في مواجه خطاب مدني ناضج وجريء وجامع. خطاب يتوقع له أن يضم الجميع تحت عباءته بما في ذلك الإخوان الذين سيضطرون لمغادرة خطابهم التقليدي ونهجهم الخاص الذي كان يخيف القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية والليبرالية والخارج ايضا، ويمكّن النظام من التفرد بهم وقمعهم باسم حماية مصر من أصولية دكتاتورية تهدد التعددية والحريات المدنية.
يبدو أن طريق "كفاية" هو الوحيد المتبقي في ظلّ الارتداد العربي عن مشروع الاصلاح السياسي. ومن المؤسف أن قادة كانوا قد بدأوا يتحسسون رؤوسهم لمّا رأووا البلدوزر الأميركي ايام بوش جاد في مطالب الاصلاح الديمقراطي استنادا لنظرية اقنعت الادارة بأن الفساد والتفرد بالسلطة هو المسؤول عن توليد ظواهر التطرف والارهاب، وسارعوا الى طرح مشاريع الإصلاح بل وتبنّي مشروع عام للإصلاح العربي في قمة تونس، حتّى اذا ضعفت الإدارة وغاصت حتّى الركب في الرمال المتحركة في العراق وأفغانستان تنكر القادة العرب لمطالب المشاركة الديمقراطية والمؤسسية الدستورية، وعادوا الى سيرتهم الأولى بالإدارة السلطوية للحكم الذي يتحول الى شأن عائلي يملك فيه الأبناء والإخوان والزوجات والأنسباء أكثر مما تملك الحكومة والوزراء.
وجمال مبارك ليس له منصب رسمي يخوله أي سلطة، مع ذلك يشرف على برامج ويترأس اجتماعات وزراء ويدير مفاوضات ويقرر صفقات. ليس جمال وحده؛ ففي معظم الدول العربية يكون لأبن أو أخ أو حرم أو نسيب رأس السلطة ما يفوق أعلى المسؤوليات الحكومية، وتجدهم يخرجون ويقابلون ويفاوضون ويوثق بهم أكثر من وزراء ومسؤولين حكوميين، انظروا إلى سيف الاسلام القذافي وأحمد عبدالله صالح و و و. ومن المؤسف ان يأتي الخبر عن فساد ورِشى تطال نجل أحد رؤوساء الدول العربية من موقع وزارة العدل الأميركية (يمكن مراجعة الموقع على الإنترنت) حيث حوكمت وغرّمت شركة تقدم خدمات الاتصالات الدولية بعد أن اعترفت بأسماء المتورطين معها للحصول على "أسعار مناسبة" على حساب جيب المواطن في ذلك البلد.
منذ العام 2004 بدأت تصدر تقارير خاصّة بالتنمية البشرية في المنطقة العربية ذات دلالات كارثية حفزت مطالبات واسعة بالإصلاح، وها هو التقرير يصدر للعام 2009 عن أمن الانسان العربي ولا نجد أننا تقدمنا خطوة واحدة ان لم نكن تراجعنا الى الخلف . . لنقل على الطريقة المصرية، كفاية بقى!!
عن الغد.