برز في المسح الذي أجراه منتدى الاستراتیجیات الأردني ونشره الأسبوع قبل الماضي حول ثقة المستثمر وتطلعاتھ إلى المستقبل وتقییمھ للوضع الحالي والنظرة إلى المستقبل عدد من النتائج اللافتة جاء في مقدمتھا تراجع ثقة المستثمر فیما یخص البیئة الاستثماریة والتردد الكبیر الذي یرافق القرارات الاستثماریة فیما یخص العام المقبل.
ولعل الأھم في قراءة النتائج ھو ما یرتبط بالأسباب الرئیسیة وراء بذلك، ویمكن تصنیف الإجابات تحت ما یوصف بالتقلیدیة، مثل ارتفاع نسب الضرائب والاعاقات والتأخیر والضعف في إنفاذ القوانین، ونقول أسبابا تقلیدیة لأنھا متكررة وتبرز في العدید من التقاریر الدولیة التي تقوم بتصنیف وتقییم بیئة الأعمال في الأردن.
أما الأسباب غیر التقلیدیة واللافتة، والتي یمكن ان تفسر أسباب تردد القطاع الخاص عن الخوض في استثمارات جدیدة، والتي احتلت مركزا متقدما فتمثلت بما یمكن وصفھ باللایقین وعدم القدرة على التنبؤ بالمستقبل القریب، فما ھو المقصود بذلك؟
بسبب الظروف الاقتصادیة الصعبة التي یمر بھا الأردن، وتراجع مؤشرات الحوكمة والإنفاذ غیر المتطابق للعدید من التشریعات والقوانین ذاتھا، حیث أن العدید من القوانین والأنظمة والتعلیمات تتم قراءتھا وتطبیقھا من قبل الموظفین على نحو مختلف بشكل یعتمد على الاجتھادات الشخصیة، مما یجعل القدرة على التیقن من كیفیة سیر الأعمال صعبة، ویصطدم المستثمر بالكثیر من العقبات التي تحتاج في كثیر من الأحیان تدخلا من اعلى المستویات، وھذا یؤدي إلى التعطیل والتأخیر وفي كثیر من الحالات إلى الیأس من إنجاز بعض المعاملات، ھذا إلى جانب تراجع الثقة الذي نتحدث عنھ وحاول المسح المشار الیھ والذي نفذه مركر نما للدراسات قیاسھ.
البعد الثاني یرتبط بالاستجابة الرسمیة للضغوطات وعجز الموازنة، سعت الحكومة على مدى الأعوام الخمسة الماضیة إلى رأب الصدع في الموازنة، واجتھدت في اجتراح العدید من الحلول لمعالجة العجز معتمدة بشكل كبیر على تعزیز الایرادات المحلیة وخفض نسبي للنفقات العامة، ولتحقیق ذلك تم اتخاذ الكثیر من الاجراءات التشریعیة والقانونیة والقرارات السریعة . وھذه التغییرات السریعة عززت من حالة اللایقین وانعكست أیضا على قدرة المستثمر اتخاذ قراره الاستثماري، لأن المستقبل القریب لم یعد واضحا، وكان ھناك مخاوف من اتخاذ خطوات تؤثر على جدوى المشاریع التي بدأت ضمن اطار معین، واختلف مع قوانین جدیدة مثل قانون الضریبة.
ضمن ذات السیاق ساھمت بعض التصریحات الحكومیة رغبتھا مراجعة عدد من التعاقدات بعیدة المدى في بعض القطاعات إلى جانب التأخیر في دفع بعض المستحقات لأصحابھا إلى تعزیز الشكوك حو المستقبل واحترام التعھدات رغم أن ذلك لا یمثل سوى انطباعات ولیست حقائق ولكنھا فعلت فعلھا في زعزعة الثقة.
للخروج من ھذا المأزق، وبما ان الاجراءات العدیدة ذات الصبغة المالیة والمرتبطة بالموازنة قد استكملت تقریبا ولم یعد ھناك إجراءات جدیدة وصعبة، یمكن للحكومة ان تخرج ببیان أو تعھد یغطي فترة الخمس سنوات ویضمن عدم تغییر قواعد اللعبة من النواحي الضریبیة والاستثماریة والعمالیة حتى نبث رسالة طمأنة .
في ظل بیئة إقلیمیة صعبة وتنافس كبیر، نحتاج إلى تعزیز القدرة على التنبؤ وتخفیض اللایقین حول المستقبل فیما یخص السیاسات والتشریعات، وذلك ھو الخطوة الأولى لاستعادة الثقة وفتح آفاق جدیدة.
الغد