يجب أن نعترف أن منّا من فرّط بقيم رمضان الجميلة، وغدا الشهر الكريم بالنسبة لهم خاليا من معانيه الحقيقية الإنسانية. بالنسبة لهؤلاء، رمضان مناسبة للبذخ والإسراف في الطعام، والتجبر وتحميل الكون جميلة بصيامه، وفترة للعصبية وللغضب بحجة الصيام، ومناسبة للتراخي بالعمل وعدم الإنتاج.. أيضا بحجة الصيام. هذا مؤسف فعلا لأن الأصل بالشهر الكريم أن يكون عكس ذلك تماما؛ رمضان شهر التسامح وسعة الصدر، وصلة الرحم والمحبة، والشعور مع الفقراء ومساعدتهم وتعظيم معاني الإنسانية والأخوة، والاقتصاد في الإنفاق لا الإسراف والتبذير. هو شهر العمل والإنتاج لا التباطؤ والتكاسل، وشهر الرحمة والطيبة لا الغضب والانفعال والعنف.
بعض السلوكيات الرسمية والأهلية تعزز من إضعافنا لقيم الشهر النبيلة؛ من يتابع إعلانات التخفيضات على المواد الغذائية يدرك حجم التدفق والاستهلاك الهائل غير المبرر في رمضان. ومن يدقق بخطط المؤسسات والدوائر المختلفة يخرج بانطباع أننا مقبلون على أزمة وحالة غذائية واقتصادية مستعصية. الخطط لم تأت من فراغ، بل تعاطيا مع سلوك مجتمعي حقيقي في الإفراط باستهلاك المواد الغذائية في رمضان، وفي استجابة لسلوك قلة قليلة تستغل الشهر الفضيل للتلاعب بالأسعار. المؤسستان الاستهلاكيتان؛ المدنية والعسكرية، من أنجح الأفكار الاقتصادية والاجتماعية التي تعاطت مع هذا الشأن، فقد أدت دورا مهما في الحفاظ على توازن الأسعار وضبطها، وقد زودت فئة ذوي الدخل المحدود بالمواد بأسعار تنافسية معقولة جدا، وهي بذلك جزء مهم من شبكة الأمان الاجتماعي للأردنيين.
أما قيادة السيارات وحركة السير في رمضان فتلك قصة أخرى! إذ ترتفع أعداد التجاوزات، وتزداد الحوادث والمماحكات بهدف الإسراع، ويقل تحمل السائقين لبعضهم، وتظهر سلوكيات لا تليق بأصحابها ولا بالشهر الفضيل. تزداد حدة هذه السلوكيات عندما يقترب موعد الإفطار، وتسود حالة من التوتر والاستعجال، وكأن التأخير بضع دقائق عن الإفطار من المحرمات!! السلوك الرمضاني القويم الذي يكرس الإحسان ويليق بكرم هذا الشهر، هو أن نتجاوز أذى غيرنا بأي شكل ودرجة كانت، وأن نتسامح ونعفو فذلك أعف وأنقى وأجمل.
بالمقابل، فمن السلوكيات التي تتماهى مع معاني الشهر الفضيل وقيمه وإنسانيته تلك التعليمات التي تصدر سنويا عن وزارة الداخلية وتحدد أسس عمل أنواع المطاعم والمحال المرخصة لتقديم الطعام لغير الصائمين. هذه ضرورة وقيمة نبيلة لاحترام مئات الآلاف من الأجانب المقيمين بيننا، وتكريما أيضا للمجتمع الأردني متعدد الأديان حيث منه فئة نبيلة وأصيلة من الأردنيين المسيحيين الذين أنهوا للتو صيامهم واحتفلوا بعيد الفصح المجيد. تكرس هذه التعليمات قيم الشهر الفضيل في المحبة والتسامح والإنسانية، وتعطي حرمة الشهر معناها الحقيقي الواجب.
عشرات المبادرات الإنسانية الرمضانية تضيع بلا انتباه بسبب بعض السلوكيات السلبية التي تختطف الأضواء. علينا جميعا في هذا الشهر أن نحد من السلوكيات الطارئة النشاز عن قيمنا وعن معاني الشهر الفضيل لكي ننعم بشهر مليء بالمعاني والقيم التي تليق به.
صحيفة الغد