من تابع تصريحات وبيانات الجهات الخدمية من خارج المملكة وداخلها , استشعر ان ثمة حرب طاحنة تدو رحاها في الاردن , فالاجهزة الرقابية على أهبة الاستعداد والمداهمات تطال كل من يملك ثلاجة طعام او عرباية عصير , واسهمت طوابير السيارات المتوقفة في شوارع العاصمة بتكريس هذه الرؤيا , بعد ان افصحت كل قطاعات الخدمات وعبر بيانات نارية عن جاهزية فرقها للمداهمات , حتى وزير الزراعة استثمر الحالة واعلن ان راجماته قد أبادت الفوج الاول من الجراد الذي تجرأ على عبور الحدود الاردنية , والطريف ان الضحية الوحيدة كان الوزير نفسه الذي تم وضع ساقه في الجبس كدليل اضافي على قيادته للمعركة في الميدان .
الحكومة الاردنية وفي غمرة ادانتها للسلوك الشعبي الاستهلاكي في الشهر الفضيل , تنسى انها الصانع الاول لهذا السلوك , فهي تبدأ مبكرا بالاعلان عن مخزونها الغذائي ومراقبتها للاسعار في الاسواق وتجهيز فرق المراقبة والمتابعة , وكأنها تستنهض الهمم الشعبية لغزو السوق والتسلح بكل الاصناف , فحين تقول الحكومة ان السلع متوفرة تقوم الناس بالاقبال على الشراء لان الحكومة كاذبة في وجدان الناس وإن صدقت , اضف على ذلك زيارة الرئيس الميدانية والمكرورة لأي رئيس للاسواق المدنية والعسكرية الخاضعة لملكية الدولة بوصفها البعبع الذي يرعب التجار اذا ما حاولوا استثمار اقبال الناس على الشراء , وقبلها قامت الحكومة بخطوات استباقية لتجهيز القدرة الشرائية عبر تأجيل القروض .
ثمة تجانس مريب بين سلوك الحكومة وسلوك الشارع في رمضان , فالحكومة ترفع وتيرة الشحن الاستهلاكي والمواطن يستجيب , وأقل الاطراف الحكومية أثرا في الشهر الفضيل , وزارة الاوقاف التي يقتصر دور وزيرها على تحديد عدد ركعات صلاة التراويح وعلى مقدار تأخير اقامة صلاة العشاء , بمعنى ان التجانس يتحول الى تواطؤ بين الحكومة والناس على تعزيز السلوك الاستهلاكي , وكأن الغش وبيع السلع المنتهية الصلاحية او تقليص الرقابة الغذائية مسموح في غير شهر رمضان , المهم ان تكون مائدة المواطن عامرة بكل الاصناف الصالحة للاستهلاك البشري وما دون ذلك فإمعاء المواطن تحتمل تقليص الرقابة وضعف المراقبة .
رمضان تحول بفضل خطوات حكومية مدروسة وتواطؤ شعبي مريب الى شهر استهلاك , في الغذاء والدراما , فكما هي المسلسلات الرمضانية اعلانات يتخللها فواصل درامية , فإن الصيام تحول الى دراما غذائية يتخللها فواصل روحانية وايمانية , فالمشاهد للمسلسل الرمضاني يكتشف ان الحلقات الثلاثين مجردة من القيمة الفنية وان الحشو والاعلانات هي التي تمنح المسلسل هذا العدد من الحلقات , يكتشف الصائم ان كل مسيرته في الشهر الفضيل انقضت بين الاسواق والمسلسلات على حساب الحالة الروحانية والايمانية , فبات الشهر الفضيل يحتاج الى موازنة خاصة بعد ان تحول الى دراما غذائية تحتاج الى بهرجة واكسسوارات , علما بأن بهجة رمضان كانت في حبة القطايف لجيلنا واجيال سابقة .
طوال حملات الاستعداد للشهر الفضيل , لم نسمع عن برنامج تنويري واحد , ولم نستمع لرأي نيابي او فقهي يقول للحكومة , ان رمضان فرصة دينية وليس فرصة استهلاكية , وانه موسم لضبط الشهوات والانفاق وليس للافراط , وسيرافق رمضان بالطبع موجة من الورع المخلوط بالعنف والغضب في الشوارع وارتفاع حوادث السير وكل مرادفات العنف اللفظي والبدني , مع صور جميلة لمتصدقين تسبقهم الكاميرات , لتسجيل لحظة انكسار على وجه محتاج او يتيم , وسيحضر النواب الاكارم في المشهد بعد غياب طويل .
رمضان اليوم دراما حكومية وفواصل اعلانية شعبية , وسط موجة من ارتفاع الحرارة وانحسار الورع وهطول كثيف للاسئلة الساذجة والمكرورة , وكل عام وانتم بخير .
omarkallab@yahoo.com
عن الانباط