الدكتور نائل معالي .. ونور البصيرة
د. ايهاب عمرو
05-05-2019 01:45 PM
يحكى عند العرب وغير العرب "رب صدفة خير من ألف ميعاد". ولعل الصدفة وحدها جلبت لي موضوع إنشاء في احدى اختبارات اللغة العربية أثناء المرحلة الثانوية آنذاك حول قصة شخص أفقده الله البصر وعوضه بنور البصيرة. وما أن قرأت ذلك الموضوع حتى تبادر إلى ذهني مباشرة قصة أحد أقربائي من جهة الأم الذي كان على مقاعد الدراسة أيضاً آنذاك، وكنا في سن متقارب، وكانت الكيمياء بيننا متقاربة إلى حد كبير، وكلانا اختار دراسة القانون في المرحلة الجامعية، وكلانا حصل على درجة الدكتوراه في القانون، وأقصد بهذا الحديث الدكتور الفاضل نائل معالي.
وعندما قمت بكتابة الموضوع المشار إليه آنفاً أحسسته من الأعماق، وساعدني في ذلك أنني كنت قريب إلى حد ما من الدكتور نائل عندما كنا في ريعان الشباب، وساعدني أكثر أنني عرفت خصاله الحميدة أكثر من غيري، وهالني هدوئه ودماثته وخلقه القويم. وكان إن تحدث لا يطيل الحديث مع قدرته على الإقناع بكلمات قليلة، وتلك صفة لا يمتلكها إلا صاحب علم وبصيرة. وبعد أن أنهينا دراسة المرحلة الجامعية في القانون انقطع الاتصال بيننا لفترة طويلة بسبب سفرنا وابتعاد أماكن عملنا، لكن وسائل التواصل الاجتماعي، على علاتها، أعادت جمع شملنا مرة أخرى، وذلك من خلال صدفة جميلة يندر أن تتكرر، حيث لاحظت في إحدى المرات سيلاً من التهاني والتبريكات لمناسبة حصوله على شهادة الدكتوراه في القانون الجنائي من جمهورية مصر العربية. وقتها لم أتمالك نفسي، فانطلقت مني كلمات معبرة على شكل تهنئة بتلك المناسبة السعيدة، وأحسست بذات الفرحة التي أحسستها يوم حصولي على شهادة الدكتوراه، إذ هالني جلده وصبره وقدرته على تحمل مشاق الدراسات العليا وكتابة أطروحة دكتوراه في القانون، إضافة إلى إقامته في جمهورية مصر العربية وتنقله بين الأردن وجمهورية مصر العربية أثناء تلك الدراسات. وعندما نظرت إلى صورته أثناء المناقشة أيقنت أن الله جعل له نوراً يمشي به، خصوصاً أنني علمت أنه قام بتأدية مناسك العمرة قبل المناقشة بفترة.
وعلى النقيض، قابلت في إحدى المرات قبل عدة سنوات شخصاً أفقده الله البصر وأفقد نفسه البصيرة، حيث تجاذبت أطراف الحديث معه أثناء المسير وعرفت أنه ليس بفاقد البصر فحسب وإنما هو فاقد البصيرة، حيث سمعته يتحدث بمواضيع لا تمت لواقعه بصلة، ويصاحب أناس يهزؤون به، ناهيك عن أنه عصبي المزاج وسريع الغضب دون سبب وجيه. وقلت له أن الله وإن أفقدك البصر فإنه سوف يعوضك بنور البصيرة لكني فوجئت به يقول بالعامية "لا بصيرة ولا باصرة". وبعد مسيرنا قليلاً تقابل مع شخص يعرفه وقال له: متى رح نضرب الكاس. فعرفت أنه أبعد ما يكون عن نور البصيرة.