لم تكن محاضرة محافظ البنك المركزي في جمعية رجال الاعمال عادية. الحق انها كانت استثنائية بامتياز. تحدث خلالها المحافظ لغة اقتصادية قل ما نسمع نظيرا لها في الاردن.
ارقام واحصائيات واستبيانات استخدمت بشكل علمي لتقديم توصيف دقيق للاوضاع الاقتصادية وتشخيص عميق لاوجاع الاقتصاد ومشكلاته.
كثيرة هي الاشياء التي استوقفتني في المحاضرة. لكن اكثر ما استوقفني عبارة قال فيها المحافظ ان الاقتصاد قد دخل مرحلة جديدة في ادائه قد تتطلب وقتا للخروج منها والعودة الى ما كان عليه قبل العام 2009.
بهذه الكلمات عبر المحافظ عما يدور في اذهان اقتصاديين كثر يرون في الوضع الراهن واقعا جديدا وليس فترة مرحلية من الدورة الاقتصادية.
لقد عاش الاردن عقودا حالا اكبر من قدراته الاقتصادية. معتمدا في ذلك على المنح والقروض. وبقي يعتمد على المنح والمساعدات الخارجية والقروض الميسرة من دون الالتفات الى التحول التدريجي نحو الاعتماد على الذات. ولما وصلت المديونية مداها، وبدأت المساعدات بالتراجع، وجدنا انفسنا بمواجهة واقعنا الحقيقي.
لذلك فان ما يمر به الاردن ليس لحظة طارئة او حالة مكررة لحالة سابقة او جزءا من دورة اقتصادية لا تلبث ان تبدأ هذه الدورة صعودها. ومن هنا يصح القول ان الاقتصاد قد دخل مرحلة جديدة ومختلفة. وسوف يحتاج الخروج منه الى فترة طويلة، لاننا نواجه تداعيات تراكمية في ظل ظرف تتراجع فيه المساعدات واقتصاد قليل الاعتماد على امكانياته الذاتية.
ما سبق لا يعني ان نيأس او نفقد الامل او نتوقف عن السعي للتقدم نحو الامام. لكن لا بد لنا ان نتحلى بشيء من الموضوعية وان نشخص الظرف الاقتصادي بتجرد وبعيدا عن العواطف. والمطلوب من الاعلام الحكومي ان يتحلى هو الاخر بدرجة من الموضوعية بدل الاستمرار في اطلاق الوعود في كل الاتجاهات. فلا بد من مصارحة الناس ولا بد من الشفافية اساسا لاعادة بناء الثقة مع المواطن.