النافذة الخدمية لريادي الأعمال
د. سامر إبراهيم المفلح
04-05-2019 09:06 PM
مع تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة وعدم قدرة الاقتصاد الأردني على استحداث فرص عمل كافية لاستيعاب الداخلين لسوق العمل، فإن ريادة الأعمال أصبحت من أهم الأدوات المُعوّل عليها من أجل خلق وظائف للباحثين عن عمل خصوصًا الشباب، ويمكن تعريف ريادة الأعمال للأفراد بشكل بسيط على أنها التمكن من إنشاء المشاريع التجارية وحسن إدارتها والقدرة على استدامة وتطوير وتنمية هذه المشاريع. بعض التعريفات الأخرى المتعلقة بريادة الأعمال تتمحور حول قدرة الشخص على خلق نوع جديد من المنظّمات والأعمال التي لم يسبق قيام مثلها، والمخاطرة في إقامتها، بعد دراسة الفكرة والحصول على التمويل المناسب لتأسيسها.
ولقد لاقت ريادة الأعمال اهتمامًا رسميًا كبيرًا في المملكة، فهناك عدد من المؤسسات والبرامج الحكومية القائمة مثل صندوق التنمية والتشغيل، ومؤسسة تطوير المشاريع الاقتصادية، وبرنامج تعزيز الإنتاجية الاقتصادية والاجتماعية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، على سبيل المثال لا الحصر، يقع تحفيز وتشجيع ريادة الأعمال في صلب عملها.
كما أن هناك العديد من المنظمات والمؤسسات والمبادرات والبرامج غير الربحية بالإضافة إلى الشركات وحاضنات الأعمال التابعة للقطاع الخاص تقوم بتقديم الخدمات والدعم للرياديين، ومن الأمثلة على المؤسسات الفاعلة في تقديم الدعم والخدمات لريادي الأعمال، مركز الملكة رانيا للريادة غير الربحي، وبعض المبادرات والمؤسسات المتفرعة من صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية مثل شركة أويسس 500 التي تستهدف تحفيز ريادة الأعمال في مختلف قطاعات التكنولوجيا .
وقد أشار تقرير صحفي أن هناك ما يزيد على 150 مؤسسة ومشروعًا وبرنامجًا ينشط في الأردن معنيّ بتقديم مختلف الخدمات لرواد الأعمال، لعل من أحدثها نشأة الصندوق الأردني للريادة، والذي جاء استجابةً للتوصية الأولى لمجلس السياسات الاقتصادية الأردني، وتأسس برأسمال مقداره 98 مليون دولار أمريكي، منها 50 مليون دولار من البنك الدولي و48 مليون دولار من البنك المركزي الأردني.
ولهذا فليس من المستغرب أن جاء الأردن في المرتبة 49 عالميًا من بين 137 دولة في العام 2018 في مؤشر ريادة الأعمال العالمي والصادر عن المعهد العالمي لتنمية وريادة الأعمال، والذي يقيس صحة بيئة وأنظمة ريادة الأعمال في 137 دولة.
وبالنظر إلى الخدمات التي يمكن تقديمها للرياديين فهي متعددة تبدأ بالتوعية والتثقيف بأهمية العمل الريادي، وبناء القدرات في دراسة الفكرة من حيث الجدوى الاقتصادية والتي تشمل الدراسة السوقية، وكلفة الإنشاء، ودراسة التدفقات النقدية والتوقعات الربحية، ثم بناء قدرات الرياديين على وضع خطة للمشروع.
لاحقًا لدراسة المشروع ووضع خطته يأتي التمويل الذي يحتاجه الريادي في حال أرد تنفيذه، وهناك عدد كبير من الجهات التي تمول المشاريع الريادية قد توفره على شكل قروض ميسرة أو تجارية، كما يمكن الحصول على التمويل المطلوب للمشروع من خلال الاستثمار مقابل الشراكة مع صاحب الفكرة، بعض الجهات والمبادرات غير الربحية أيضًا توفر منحًا في قطاعات ومناطق محددة لدعم الرياديين من أجل المساهمة الفاعلة في تقليل الفقر والبطالة التي ترتفع نسبها في تلك المناطق، والبناء على الميز التنافسية لها.
وبعد تأمين التمويل المطلوب وبدء المشروع فإن الكثير من ريادي الأعمال بحاجة إلى التشبيك مع الأسواق المحلية وحتى الدولية، كما أن بعض المشاريع الإنتاجية يجب أن تكون ضمن سلاسل الإمداد لمؤسسات أكبر، وبالتالي فإن هذه المشاريع الريادية بحاجة إلى بناء الشراكات لاستدامتها، كما أن عددًا من المشاريع الريادية القائمة يمكن توفير خطط نمو فاعلة لها من أجل تعزيز قدراتها التنافسية وتعظيم قيمتها، وبالتالي تحقيق فوائد اقتصادية وتنموية أكبر للرياديين ومناطقهم.
مع تعدد المؤسسات والبرامج التي تقدم مختلف الخدمات للرياديين بشكل جزئي أو كلي، فبعضها يقدم خدمات التثقيف والتشجيع، وأخرى تقدم بناء قدرات الريادي على وضع خطة مشروع ودراسته اقتصاديًا، ومؤسسات وبرامج أخرى متخصصة في تقديم التمويل للمشاريع الريادية، وأخرى تنشط في مجال التشبيك أو دعم المشاريع في قطاعات محددة مثل السياحة، أو تكنولوجيا المعلومات، أو المشاريع الإنتاجية البسيطة، فهناك حاجة ماسة إلى توجيه الرياديين إلى البرامج والمؤسسات التي تتناسب مع احتياجاتهم في مختلف مراحل المشروع ابتداءً من الفكرة وانتهاء بالتوسعة والنمو.
ويمكن التفكير جديًا في إنشاء نافذة خدمية موحدة للرياديين يكون لها حضور ملموس وموقع الكتروني، مهمتها الرئيسية تقديم الاستشارة والتوجيه المناسب من خلال توفير قاعدة بيانات متكاملة بالجهات المختلفة التي تقدم الخدمات لهم من مؤسسات ومنظمات ومبادرات وبرامج، مع تحديد نوعية الخدمات التي قد توفرها هذه الجهات للرياديين في أي مرحلة من المشروع، سواء أكان في مرحلة ما قبل التأسيس أم في مرحلة التمويل أو التطوير وضمن مختلف المناطق والقطاعات الاقتصادية.
لا شك أن ريادة الأعمال تشكل أحد الحلول النوعية للتصدي لتحدي الفقر والبطالة، وهناك عدد كبير من الجهات التي تدعم وتقدم مختلف الخدمات للأشخاص الرياديين والمشاريع الريادية في مختلف المراحل، ويمكن لفكرة تأسيس نافذة خدمية للرياديين أن تعزز التكامل والانسجام بين مختلف الجهات الفاعلة ضمن إطار ريادة الأعمال في المملكة.