زيدان الإنسان في "زمان و مكان"
أ.د عبدالباسط الزيود
04-05-2019 09:05 PM
قراءة في سيرة الأستاذ الدكتور زيدان كفافي
يختلف كتَاب السيَر و المذكرات في طرائق كتاباتهم من الناحية المنهجية ، من جهة الالتزام بميثاق السيرة و الوفاء بمتطلبات الصدق مع الذات و القارئ معاً، فضلاً عن اختلافهم في طبيعة اللغة الموظفة في السرد ؛ فثمة لغة تميل إلى الأدبية و أخرى تسجيلية و ثالثة خليط من هذه و تلك !.
و قد استوقفني سفر جليل و كتاب مهم لأستاذ متمرس في علمه و علم في تخصصه ، صاحب همة و حكمة ، و هو كتاب السيرة للأستاذ الدكتور زيدان الكفافي ، و قد جاء هذا السفر استجابة للحظة شعر بها الكفافي بأن الزمن " بدأ يسحب سنوات العمر من تحت بساط الحياة و أنه لا بد من تسجيل شريط معاشي على وجه البسيطة "؛ و هو شعور مقترن بواجب إنساني اقتضى منه ان يتعرض لأحداث أثَرت في حياته و أخرى أثَر هو فيها ؛ على نحو تفصيلي مرة و أخرى على نحو إجمالي أو قد يلجأ الكاتب لإهمال بعضه الآخر ؛ احتراماً لصاحب الحدث و حفاظاً عليه ، مع أن هذا الجانب الأخير يتعارض مع شرط مهم من شروط كتابة السيرة و هو الصدق، كما حدده فيليب لوجون، إلا أنه يتماشى و طبيعة ثقافتنا المشرقية التي تقيم وزناً كبيراً لحفظ الأعراض ومراعاة الأعراف !
و قد سارت السيرة في خطين متوازيين : التاريخي التسجييلي و السردي الأدبي ، في مراوحة تنطوي على ذكاء الكاتب و مقدرته اللغوية ؛ إذ إنه واع إلى أنه يكتب سيرة لها شروطها الموضوعية التي تختلف و كتابة التاريخ ، فضلاً عن أن شخصية الباحث الأكاديمي و العلمي تركت بصمة واضحة في الدقة و البيانات الموظفة في السيرة ؛ فقد سارت السيرة في فصولها مما قبل الولادة حيث موطن الأسرة الكبيرة مروراً بالولادة المؤرخة ب(12/2/1949) ، ثم مراحل الدراسة باختلاف درجاتها ، و انتهاءً بعودته لجامعة اليرموك في عام (2013).
لقد ظهرت شخصية الأستاذ الدكتور زيدان كفافي عروبية قومية ، منتمية لمحيطها العربي و و وطنها القومي الممتد من المحيط إلى الخليج و وطنها الأسمى الأردن ، الذي منحه الكثير و آخر هذه المنح أن شرَفه برياسة ثاني أقدم جامعاته وهي اليرموك .
وقد امتدت الجغرافيا السيَرية على رقعة واسعة من الجزيرة العربية إلى مصر ففلسطين ثم الأردن مروراً ببرلين والرياض و باريس فعمان في أوبة مباركة للوطن الحبيب، و هو في كل هذا الترحال كان زيدان حريصاً على أن يفي المكان حقه من سرده الشفيف تارة و العميق طوراً آخر ؛ بما لا يتجاوز الحقيقة و لا يحيف على شروط الصورة اللغوية التي تحمل هموم و آلام و آمال صاحب السيرة ؛ لترسم صورة لإنسان نحت في الصخر كما اعترف هو في مقدمة سيرته!.
وقد كان لشخصية الدكتور زيدان العلمية حضور بارز في سيرته هذه ، فهو الباحث الآثاري الحضاري الأنثروبولوجي، الذي حرص على أن يكشف عن تاريخ هذا الوطن الممتد منذ ألآف السنين الضاربة جذوره في الأرض الأردنية عميقاً خلال سني عمله في حفريات عميقة تغوص في باطن الأرض لتعلي بنيانه الحضاري و التاريخي، هذا من جانب ، أما الجانب الآخر لحضور شخصيته العلمية فيتجلى في هذا الحرص الكبير على إبراز و إظهار الوثائق التي توثق لمختلف مراحل حياته من شهادات المراحل الدراسية الأولى حتى كتب الشكر و الأوسمة التي نالها عن جهوده العلمية الكبيرة و كان آخرها وسام الملك عبدالله الثاني ، حفظه الله و أيَده، للتميز من الدرجة الثانية .
و بعد؛
فهذه سيرة تحمل القارئ نحو الكشف عن شخصية فذة استطاعت أن تجد لنفسها موطئ قدم راسخة في هذه الحياة و في ميادين العلم المختلفة ، فضلاً عن أنها كشفت عن مقدرة و براعة في رسم خيوط الشخصية الدقيقة بعيداً عن لغة العلم الجافة و قريباً من لغة الأدب المحتفلة بالحياة ، بكل ما ينطوي عليه هذا المنهج من صعوبة لغير متخصص باللغة و بأدب السيرة ؛ و هو ما يجعل القارئ ، في الوقت ذاته ، حريصاً على مطالعة السيرة حتى نهايتها.