إحدى الحِكم المأثورة عن الرئيس الأميركي «الروائي» ثيودور روزفلت قوله: «الشجاعة ليست أن تمتلك القوة للاستمرار، بل الشجاعة أن تستمر عندما لا تمتلك القوة، روزفلت كان أحد مؤسسي مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي حين كان رئيسا للفترة الثانية 1903 – 1909، ما قاله روزفلت عن الشجاعة يجب أن يعلمنا درسا على الإصرار نحو التقدمية نحو دولة أفضل حتى لو تعثرت مؤسسة ما أو خالف أحد أعضائها شروط الوظيفة، وإن كان «السي أي إيه» أعرق مدرسة في الاستخبارات، فإن دائرة المخابرات العامة الأردنية تعد في طليعة المؤسسات الأمنية الأقوى شرق أوسطيا بأذرعها القوية.
لست هنا في باب المقاربة أو المقارنة، ولكن يبدو أن رسالة جلالة الملك لمدير المخابرات الجديد اللواء أحمد حسني كانت موضوع «دغدغة شهوات» لدى البعض ممن لا يقرأون ما خلف الرسالة، ومنهم من اعتاش عبر عام مضى على «مفرمة الشائعات والأقاويل» دون أي سند أو تحقيق مثبت، ومع هذا فهناك اعتراف ضمني بأن لدينا من يحيدون عن الخط الدستوري والأعراف التي تقوم عليها المؤسسة الأمنية، واستغلال الوظيفة للتكسب أو التمدد على حريات الآخرين وفرض السطوة على المقررات الأساسية أو خيانة الأمانة وهي الأسوأ، وإن حدث فذلك كان في عهد أسبق وتمت معالجته دون البتر وتحت غطاء الستر.
المخابرات العامة في كل دولة تكون مهمتها الأساسية هي الأمن الوطني بعمومه، وهذا ما تقوم به الدائرة في وطننا الغالي، ولعل الكشف عن العديد من العمليات التي تم خلالها إحباط مخططات إرهابية تستهدف مؤسسات ومنشآت وطنية، قد بات الجمهور الأردني كله يعلم عنها، وأي خطأ فردي أو تجاوز أحادي لأي عضو لا يعني بتاتا أن المؤسسة العريقة متهمة، بل إن التجاوزات والسلبيات موجودة في كافة القطاعات الرسمية، فالبشر معرضون لوسوسة شياطينهم، وليس هناك قوة تردع الموسوس إذا جعل من نفسه عبدا لإغراءات غير قانونية أو أخلاقية.
إن من أكبر الأخطاء الفادحة أن تكون أي مؤسسة أمنية عرضة للشائعات والمتداولات الكاذبة لحساب أفراد انتهازيين أو كارهين، فنحن لسنا في عالم الفضيلة المطلقة، ولكن التربية الصالحة هي التي تدعم سوية الأعضاء وتسندهم الى جدار قوي من التقوى وحب الوطن والعمل لمصلحة الدولة والمواطن، ولعل البعض ممن لا يريدون فهم الرسائل على حقيقتها، سيبكون يوما لا قدر الله عندما نصبح مخترقين من أعدائنا، ولهذا أكد الملك أن تنظيف أي شوائب عالقة تعيق الديمقراطية وحرية الأفراد ودعم المؤسسات الدستورية وعدم تجاوزها.
إن أسرار المخابرات عميقة جدا، ولديها من التحليل ما يكفي لصنع تصور واضح لحماية مصالح الدولة، ليس عندنا فقط، بل ولدى الدول العريقة أيضا، ولا يجوز إفشاؤها من أي مصدر لغايات مصلحية أو انتقامية، فالشرف الوظيفي يعني حفظ أي سر أنت مؤتمن عليه، وهناك من رجال العهد القديم للدولة من يمتلكون خزينة من الأسرار ويرفضون الإفصاح عنها، بل إن الفريق طارق علاء الدين لم تنشر له صورة، ولكن يبدو أن النشء لم يعد يتلقى تربية جيدة شيئا ما، ولهذا أقام الملك الحجة على من تجاوز في سابق السنين، وقدم الدعم للجهاز القوي ليحافظ على الأمن الوطني دون اعتبارات مصلحية.
أخيرا ولست في مقام الدفاع عن أحد سوى هذا البلد، على الجميع أن يفهموا أن الأمن لا يأتي بالنوم في الأسرّة الدافئة، ولهذا فأن تكون شجاعا لتقرر، خير من أن تنتظر القرار لتصبح شجاعا، وقواتنا المسلحة تمتلك أسرارا حمت فيها الوطن بإذن الله.
الراي