من النادر أن يجد القارىء كتاباً بلغة غربية يبحث في قضايا العرب ثم يكون هذا الكتاب فيه انصاف لهم,ولا يتردد بقول كلمة الحق .
هذا الكتاب من أهم الكتاب التي صدرت في الغرب وقد سبب صدوره قلقاً في بعض الأوساط المسؤولة في الغرب في حينه لانه كشف لها النقاب عن تخبطها السياسي في الشرق العربي والذي يؤكد لنا ذلك من قرأناه من تعليقات مكتوبة في الصحف الغربية في حينه وما علق به مسؤولين عن قرأته .وقد كان موفقاً في اختيار عنوان الكتاب (فرق تخسر) بل لعل في هذا العنوان شيئاً من السخرية من سياسة الدول الكبرى التقليدية التي كانت قائمة على مفهوم معاكس وهي سياسة قديمة عرفناها في تاريخنا العربي وعى مستوى عال في سياسة معاوية بن ابي سفيان الداهية المحنك ..ثم شهدناها في سياسة الدول الاوروبية الكبرى في سياسة الاستعمار .وعنوان الكتاب دال على فكرته ,فبريطانيا التي ظنت انها بتفريقها العرب الى دويلات بعد الحرب العالمية الاؤلى ,ثم بأثارتها الواحدة على الأخرى تستطيع أن تحكمها ,وجدت ان النهاية كانت تسلك السبيل الذي يؤدي الى خسران المنطقة بأكملها .وهذا الكتاب يتناول قضايا كثيرة يطول الجدل حولها ويشتد وأنت تقرأه قد توافق على بعض ولا توافق على الآخر وهذا يعتمد على الموقف الذي تقتنع به.وفي رأيي أن الفصول الثلاثة التي كتتبها عن القضية الفلسيطنية هي من احسن ما كتب فهي كتبت باللغة الانجليزية وعرفت الامم بهذا الموضوع في حينه الذي كان البعض يجهل موضوع القضية بسبب اللغة في حينه .أما المؤلف فهو مايكل ايونيديس وهو مهندس ري انجليزي الجنسية من أصل يوناني قضى ثلاثين عاماً ونيف في الوظائف الحكومية عمل في شرق الاردن والعراق في مشاريع الري عمل مهندساً للري في العراق من عام 1926 الى عام 1937ثم عمل عاميين في شرق الاردن مديراً للتنظيم حتى عام 1939 وتنقل بعد هذا في مناطق الشرق الاوسط ما بين عام 1942الى عام 1948 وقضى اكثرها في بيروت والقاهرة .وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية عاد الى انجلترا ليقيم فيها ويزور الشرق العربي ويعمل فيه بعدها وخاصة في العراق .وقد عرف اسم مايكل أول ما عرف على صفحات جريدة التايمز البريطانية الشهيرة وعلى صفحات جريدة المانشستر غارديان الشهيرة فقد كان دوما يتصدى للرد على ما كان ينشر في الصحيفتين من آراء دعائية يكتبها الصهاينة فيفند ما يقولون ويرفع صوته معلناً الحق بينما كان أصحاب الحق يلوذون بالصمت في حينه.وهذا الكتاب ليس سرداً لأحداث بل هو تفسير لأحداث مر بها العالم العربي ما بين عام 1955وعام 1958 والكتاب في قسمين وكل قسم فيه فصول في القسم الاول سبعة فصول والثاني اثنا عشر فصلاً وبه ملحق مثبت بالمصادر .والقسم الاول تحليل للقوى الثلاث المتصارعة في الشرق العربي منذ الحرب العالمية وهي الانجليز والصهاينة والعرب .أما الانجليز كان همهم السيطرة المطلقة على منطقة ذات موقع استراتيجي هام بالنسبة لهم ,وأما الصهاينة فقد وضعوا همهم في سلب جزء من الوطن العربي .وهاتان الغايتان -الانجليزية والصهيونية - تسيران ضد مصالح العرب أهل البلاد ولهذا كان موقف العرب أن يتخلصوا من السيطرة الانجليزية من ناحية ,ثم أن يحولو دون اليهود واغتصابهم لأرضهم التي يطمعون فيها من ناحية أخرى .ونحن نقرأ تحليل دقيق لهذا الصراع حتى يقف بنا عند عام 1954و1958 ويتناول أحداث العالم العربي ويبدأ بوصف الوضع السياسي كما كان في شتاء وربيع عام 1955 حيث كان يبدو عليه نوع من الهدوء على أثر اتفاقية عام 1954 بين مصر وانجلترا .ولكن القلق لم يلبث أن ساد المنطقة بعد هجوم اليهود على قطاع غزة في شباط عام 1955 وإنشاء حلف بغداد ,ولم يكن بالامكان تسوية الامور بالطرق السلمية ,فحدثت في الخفاء أحداث ادت الى حرب السويس في عام 1956 لتتلوها المشاكل التي دارت حول سوريا ومشروع ايزنهارو في عام 1957تم تزداد الحالة في المنطقة تأزماً فتحدث أحداث العراق عام 1958 في لبنان والاردن والعراق .والمؤلف كما سبق وذكرت لا يروي تاريخاً بقدر ما يحلل سياسة ويذهب بنا الى ما وراء ظاهرة الاحداث ,أمر واحد آخذه على الكاتب هو الاسلوب ,وإن كان فيه قوة حجة .فهذا الكتاب جدير بعناية القارىء العربي سواء وافقنا على ما جاء به ام رفض جله .أنا باعتقادي الشخصي يجب أن نرجع ونطلع على الكتب القديمة التي حملت من اوراق ووثائق وصور التي اصبحت مفقود منها واتلف بحسن او سوء نية .