تقود حكومة الدكتور عمر الرزاز الدولة لانهاء قرن من الزمن والدخول في مئوية جديدة، وهذا البلد بدأ عروبياً وسيبقى كذلك، تشكل الأردن المعاصر بفعل وطنية أردنية ذات نزعة عروبية بدت وعبرت عن ذاتها في مؤتمر أم قيس أيلول 1920، والتقت مع حركة التحرر العربي التي قادها الهاشميون مع ثورة الحسين بن علي 1916، واسهم الاردنيون بدولة فيصل في دمشق، ولاحقاً رحبوا بالأمير عبدالله لتعويض خسائر العروبة من قبل الغرب واقاموا إمارة الشرق العربي في الأردن، ولاحقاً المملكة الاردنية الهاشمية التي هي اليوم آخر حلقات مشروع النهضة العربية.
لم يخرج الأردن عن الصف العربي، بل كانت خسائره فادحة بفعل تمسكه الجدي بالوحدة العربية والتضامن العربي والدفاع عن الحرية، وعلى هذا الأساس دخل حرب النكسة، وعلى هذا الأساس كان موقفه من حرب الخليج الثانية ومن هذا المنطلق ينبع موقف الأردن اليوم من استقبال اللاجئين السوريين وفي موقفه من قضية القدس.
اليوم تمضي الدولة لمغادرة قرنها الأول، وفي ظل حكومة تريد أن تؤسس لدولة النهضة والانتاج، لكن هذا يجري في وقت تتعاظم فيه التحديات، فتحاول الحكومة عبر ممارسات عديدة اقناع الناس بجدوى مشروعها وسياساتها.
لكن الدعوة إلى الايمان بجدية الحكومة بسياسات العدالة والانصاف، وتقديم الكفاءة، والبعد عن الجهويات والعطايا والهبات، يأتي في ظل ظرف ضيق ودقيق، ومع شيوع ثقافة تشكك في كل شيء، وللأسف فإن جملة الأخطاء وضعف التبريرات لا تسعف الحكومات أحياناً في اقناع الناس بخطابها، والسبيل الوحيد للاقناع هو المزيد من المحاسبة ومحاربة الفساد وتقييم المسؤولين وعزلهم إذا قصروا.
أيضاً، هناك ملفات مهمة يجب الوضوح فيها مع الناس ومنها: ملف الطاقة المتجددة والاستمرار بتقييم المسؤولين ومحاسبة التعسف في السلطة، ومتابعة ملف التحول الالكتروني في الدفع المالي بالمؤسسات بدون الكاش لتجنب الرشوة. وغير ذلك من الملفات المؤرقة وتنمية قطاع المشاريع الصغير للشباب وتشغيلهم وهنا فإن قضية سيارات الطعام المتنقلة، يجب تحقيق الغاية منها وهي تشغيل الشباب.
الدكتور عمر الرزاز يختلف معه الناس أو يقبلوا به، هذا أمر طبيعي، لكن المهم أنه ليس بشريك أو متعهد سابق او صاحب شركة، وما زال عنده فرصة، لكن تلك الفرصة ليست محاطة بالورود، بل هو أمام اختبار عسير في الفترة المقبلة، وامام تحديات كبيرة لا تخصه وحده، بل تخص الأردن كدولة ووجود.
ملف العلاقات الإقليمية ضروري؛ لأجل الاقتصاد وتحريكه، لكن الوضع الإقليمي ليس في صالح الرزاز، ولا الأردن بشكل عام. لذلك، علينا التحالف مرحلياً مع مصالحنا الوطنية فقط، برغم كل انتقادنا للراهن، وعلينا أن ندعم الحكومة للمضي بمكافحة الفساد وترشيد الانفاق واحياء القطاع العام على أبواب المئوية الجديدة، ونهاية قرن من الصمود والتحديات والحرائق التي عشنا بعض تفاصيلها.
مع الرزاز استمرت ازمات الإقليم، ومعه يمكن احداث نمط جديد في اداء الحكومات عنوانه الصدق والتقييم للأداء وحرب الفساد، لكنه يجب ان يترك خلفه حين يغادر ما يستحقه من إرث يتسق مع سمعته وصفاته الشخصية.
الدستور