التدخين .. والاساءة الى الذات
د. هايل ودعان الدعجة
23-09-2009 03:52 PM
يبدو ان مشكلتنا في التعاطي مع ما يدور حولنا من اشكاليات ذات ابعاد ثقافية وحضارية ،تكمن في عدم جديتنا في تطبيق ما نؤمن بأنه يجسد الحقيقة او الواقع،وبطريقة تجعلنا نتخبط ونتناقض مع انفسنا ،في ظل ازدواجية الافكار والمعايير والمفاهيم التي نحملها ، ونحن نمارس دور المنظر او الفيلسوف الذي يمتهن حرفة اطلاق الافكار النظرية دون ان يترجمها الى واقع. ففي ظل ممارسة ظاهرة (النفاق الحضاري ) ليس مهما ان تترجم ما تقوله الى فعل او عمل ،طالما انه يندرج تحت مسمى التنظير بأسم التحضر والانفتاح ، حتى لو كان ثمن ذلك الاساءة الى ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا.
وضمن هذا السياق يأتي حديثنا عن السيجارة التي لا نجرؤ على تدخينها عند سفرنا الى الخارج، احتراما وامتثالا والتزاما بالاجراءات والتشريعات المطبقة هناك، والتي سرعان ما نتخذها بوصلة حضارية لضبط تصرفاتنا (التدخينية) حتى لا يقع المحظور ، ونرتكب المخالفات ، فنتحول الى شخصيات منبوذة في المجتمعات الراقية .
وربما نجعل من انفسنا ناطقيين اعلاميين حضاريين بأسم تلك المجتمعات ، ونحن نروج لحضارتها وثقافتها ،مبدين إعجابنا وإحترامنا لتشريعاتها وقوانينها. حتى إذا ما عدنا الى بلداننا تخلينا عن تلك المنظومة القيمية الحضارية ،واخذنا نعيث الفوضى ونرتكب المخالفات ضاربين عرض الحائط بالاجراءات والقوانين التي تمنع التدخين في اوطاننا ،ولسان حالنا يقول .. ما مغزى هذا التناقض في تصرفاتنا ومسلكياتنا ..نحترم قيم الاخرين وثقافاتهم وقوانينهم ونراعيها ونلتزم بها حد الخضوع ، طالما نعيش في كنف حضاراتهم ومجتمعاتهم ،ونتمرد على قيمنا وثقافتنا وقوانيننا ونعتدي عليها حد الاساءة لانفسنا من خلال اصرارنا على ممارسة عادة التدخين السيئة في الاماكن والمرافق والمؤسسات الوطنية التي يمنع فيها التدخين ، بطريقة تعطي الاخرين المبرر في عدم احترام قوانيننا وتشريعاتنا خلال وجودهم بيننا وفي مجتمعاتنا، مع انهم شاهدوا تصرفاتنا الحضارية الراقية في تعاطينا مع ظاهرة التدخين عندما كنا بينهم وفي مجتمعاتهم .
ولأن مكافحة التدخين مهمة وطنية وإنسانية، ولعلها في الوقت نفسه مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، احسب ان وزارة الصحة من اكثر الجهات الرسمية التصاقاً بها ونهوض بمسؤولياتها سواء فيما يتعلق بتطبيق التعليمات والقوانين الصادرة تحت طائلة المسؤولية.. أم في التأثير والاقناع والذي يبدو ان المدخن في غير وارد الالتزام الطوعي بها، ما استدعى وزارة الصحة ان تباشر مسؤولياتها في هذا المجال ايماناً منها بأن ايقاد شمعة خير من لعنة الظلام، وان العبرة في النتائج، وان الاشياء تقاس دائماً بخواتيمها، مما يعني في مجمل المسألة ان القيمة محكومة للافعال وليس للأقوال وعموم الكلام الذي يطلق على عواهنه.
من هذا المنطلق، فإن الاجراءات التي تم اتخاذها من قبل هذه الوزارة من أجل محاصرة آفة التدخين وحشرها في أضيق زاوية ممكنة من أجل المحافظة على صحة المواطن، انما تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، والتي نأمل ان يتبعها خطوات أخرى باتجاه تفعيل العقوبات المترتبة على مخالفة الاجراءات والقوانين المتعلقة بظاهرة التدخين من خلال التنسيق مع الاجهزة الامنية والقيادات الإدارية في مواقع العمل المختلفة، وفي القطاعين العام والخاص حول الآليات التي من شأنها ضبط فوضى التدخين، وبيان الكيفية التي يتم فيها إيقاع العقوبات الرادعة بحق المخالفين، لنظهر حزمنا وجديتنا في التعاطي مع هذا الموضوع الحيوي والحضاري.