اتصل أحد المواطنين بواحدة من الإذاعات المحلية المسموعة؛ ليطلب من مذيع البرنامج التوجه بخطابه إلى متجمعين حول حادث سير مروع حصل للتو على أحد الشوارع الخارجية، وجوابا على سؤال المذيع إن كان التجمع للمساعدة في إخلاء المصابين؛ أجاب: المتصل: بل لالتقاط الصور!
أيّ صور؟! ولمن؟! ولماذا؟! أسئلة يمكن أن تُطرح هنا، وهل امتلاك إنسان لجهاز تصوير يبيح له استخدامه في أي زمان ومكان؟ فمثلا : هل يجوز لمن يدعى لحفل خاص التقاط الصور لأصحاب الحفل أو المدعوين إلا إذا كان من محارمهم أو سُمح له بذلك؟ وإلا، فهذا تعد صارخ على أبسط قواعد الأدب، واللباقة الاجتماعية.
كم من صورة طالعتنا في السنوات الماضية كشفت عن مدى الانحدار الذي وصل له مجتمعنا بحيث لم يترك المصورون موقفا يستحسن فيه احترام خصوصية الآخر في حالة الاحتضار، وفي حوادث السير وتناثر الجثث التي تحتاج إلى من يسترها، ونزيف دم نحتاج أن نخفيه عن أهل المصاب.
صورنا مواقف روجت للفتنة، وأخرى روجت للأخلاق البائسة، وصورنا عورات الأعراس، وبيوت العزاء واعتدينا على كل خاص، وكل محرج، وكل معيب...
اما صورة الرزاز وهو يتناول المنسف فهي الأكثر غرابة، وتهشيم لما بقي من قيم تتاكل في مجتمعاتنا التي كنا ننعتها بالطيبة!
فأين الفن في التقاطها ؟ وما الغاية من ذلك؟ وما فايدة تناقلتها والترويج لها؟ وهل تخيل كل واحد منا شكله وهو يأكل منسفا او غيره بيده؟ وكيف للمصور أن يلتقط مثلها وهو في بيت المضيف؟ وهل يكون إكرام الضيف بتقديم المنسف، ومن ثم تصويره في موقف ما ونشرها؟!
من حق الناس أن يمارسوا هوايتهم في تصوير الطبيعة، وبراءة الأطفال ومناسباتهم الخاصة... لكن ليس من حقهم الاعتداء على خصوصيات الآخرين في تصوير أفراحهم أو أتراحهم.
فللموت حرمته، وللمصاب في نفسه أو أسرته حقوقه، فكيف إذا كان المصوّر يستمتع بالتقاط الصور، وصاحب الصور تنتهك خصوصيته؟! وكيف إذا كانت رغبة التصوير تعيق إسعاف المصابين، وعامل الوقت يمكن أن يكون سببا في إنقاذ حياتهم؟!
وهل وضَع المصور نفسه في الموقف ذاته، وسأل نفسه إن كان يفضل العجلة في نقله إلى أقرب مستشفى أو أنه يحب التقاط الصور له؟!
إن صفة القضول التي تدعو الناس إلى التجمع عند حوادث السير وغيرها موجودة من قبل، لكن في الماضي كان يغلب عليها رغبة المساعدة، أما اليوم، فيغلب عليها رغبة التصوير!
والمثير في الموضوع أننا نسينا أو تناسينا مع سهولة التصوير حق الإنسان في احترام خصوصيته في لحظات ضعفه، أو وهو يعاني سكرات الموت ناهيك عن حالة الموت ذاتها.
وهذا الأمر ينطبق على وسائل الإعلام لاسيما المواقع الالكترونية، فانتشار صور الموتى عليها ليس له مبرر، وكثيرا ما تفاجئك هذه المواقع بعرض جثة معفرة، أو بصورة ميت وقد جهز للدفن، ويتفنون في عرض الصور دون احترام لمشاعر أهله أو ذاته، فما هو السبق الإعلامي في ذلك؟!
نعم، إن إرفاق الصور مع الخبر يمكن أن يكون من باب تأكيد مصداقيته، لكن ليس في كل الأحوال، وإن كان لا بد من الصور، فمن المؤكد أن هناك أدبيات لنشرها يجب الأخذ بها.
ومن حقنا أخيرا أن نسأل هؤلاء المصورين إن كانوا يقبلون بنشر صورهم في حالة الوفاة، وإذا كان الجواب بلا، فقد آن الأوان أن لا نفعل بغيرنا ما لا نحبه لأنفسنا.