ترامب: لا يمزح ولا يتراجع ولا يستمع لاحد
د. عادل يعقوب الشمايله
01-05-2019 09:38 AM
وَعدَ الرئيس الامريكي ترامب أثناء حملته الانتخابية، بنقل السفارة الامريكية الى القدس، فَنَفذَ وَعدهُ، دون رمشة ِعينٍ، رغم المعارضة المرتجفة شبه الصامتة من الدول العربية، والمعارضة العلنية المتفاوتتة الشدة من معظم دول العالم خاصة الاوروبية والصين وروسيا. ينطبقُ نفسُ الوصف على قراره المتعلق بوكالة غوث اللاجئين.
ولعل الاكثر مدعاة للتوقف عنده، هو قراره بالاعتراف بضم هضبة الجولان لاسرائيل التي لم تكن ضمن الحلم الصهيوني ولا المطالب الصهوينية قبل مائة عام. وهنا علينا أن نعي أنه يلعب مع سوريا، قائدة جبهة الرفض والمقاومة، سوريا الاكبر بكثير من فلسطين والاكبر بكثير من كل من الاردن ولبنان، سوريا التي يحلو للبعض وصفها بقلب العروبة النابض. سوريا حليفة ايران والحكومة الشيعية في العراق، اضافة الى روسيا. كما نَفذَ ترامب معظم وعوده الانتخابية التي تحولت الى أوامر، لم تجد اوروبا واليابان والصين وروسيا مهربا من الانصياع لها، سواءاً المتعلقة برفع نسبة مساهمة دول الاتحاد الاوروبي واليابان ودول الخليج العربي في نفقات الدفاع عنها، او فيما يتعلق باتفاقات التجارة الحرة، والاتفاق الدولي لحماية البيئة. كما أثبت ترامب أنه ينصت بأذنين مغلقتين. أي أنه يستمع ولكنه لا يسمع من أحد، عدا من بعض مستشاريه أحياناً، والذين اعتاد على طردهم واستبادالهم بمن هم أكثر طواعية وتلقائية لرغباته.
قرارات ترامب المتعلقة بسوريا وايران وفلسطين والخليج العربي الذي يَتِمُ حَلبُ دُولهِ عُنوةً، يُمثل إنذارا وتمهيدا لإعلان قرارات صفقة القرن. فاذا كان الرئيس ترامب لم يحفل بسوريا التى هذا وضعها، فهل من المتوقع أن يحفل بالفلسطينيين أو بالاردن؟ وللتدليل على ذلك لاحظنا عدم اهتمامه المطلق بكل ما قاله الفلسطينيون وسُلطتيهم في رام الله وغزة، كردة فعل على قرار نقل السفارة والاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لاسرائيل والغاء وكالة غوث اللاجئين.
لقد اتخذت بريطانيا قبل اكثر من مائة عام قرارها بإنشاء اسرائيل على كامل الاراضي الواقعة غربي نهر الاردن وشرقيه، والتي اطلقت عليها إسم "فلسطين" بعد أن شرختها من جسم بلاد الشام. لم تجد بريطانيا إسماً تُسميه لتلك المنطقة ، التي كانت موزعة بين ولاية بيروت وسنجق القدس، وولاية الشام والتي كانت مُجردَ أجزاء مايكروية من الكيان السياسي الضخم لمملكة عشيرة آل عثمان. لذلك لجأت بريطانيا الى الدفاتر القديمة، فعثرت على إسم "فلسطين" في ملفات الامبراطورية الرومانية رغم عدم التطابق بين جغرافيا فلسطين في ذلك الزمن السحيق في القدم، وبين الجغرافيا التي صنعتها الهندسة السياسية البريطانية. وهاهي اسرائيل تُقلدها بتغيير الاسماء العربية للمدن والقرى الواقعة تحت إحتلالها وتستعيد الاسماء العبرية التي كانت مُستخدمة في مملكة سليمان عليه السلام.
وكعادتها في عدم الثبات على وعودها، عَدّْلتْ بريطانيا من جغرافيا الوطن القومي لليهود، فاستثنت منه الاراضي شرقي نهر الاردن. ويعدو سبب هذا التعديل الى ضرورة تخصيص مكان يستوعب اللاجئين الفلسطينيين الذين سَيُضطرونَ الى ترك منازلهم. نُفِذَ لحد الان، نصف وعد بلفور، ولم يبق الا استكمالُ تنفيذه. أي استكمال احتلال اسرائيل لكامل غرب نهر الاردن. وبهذا على العرب بشكل عام والاردنيين والفلسطينين بشكل خاص أن يفهموا، أن قرار الوطن البديل ليس قرارا جديدا مُنتظرا، بل قرارٌ قديم، وأنه قرار لا قبل لهم بمقاومته حتى لو بُحت حناجرهم من المظاهرات والخطابات في الشوارع وفي الصالات. وعدُ بلفور تَرجَمَ إرادة الدول الاوروبية الغربية المتنفذة في بداية القرن العشرين ولحد الان، ثم زاد قوة وثباتا بعد أن تبنته سائر القوى العظمى بعد ذلك، لحد أن الولايات المتحدة تعتبرُ مصالح اسرائيل وأمنها، ركيزة من ركائز أمنها هي ومصالحها. في المقابل، تجد الشعوب العربية نفسها ضائعة بين تحريض إعلامي رسمي على التمسك بفلسطين والمسجد الاقصى، وسلوكيات حُكام عينتهم الدول الاوروبية بتنسيب من الصهيونية العالمية، أو طُغماً من العسكر الذين استولوا على قصور الرئاسة ومحطات الاذاعة وعلى النياشين واموال البنوك المركزية، وباركت وجودهم الدول الاوروبية واسرائيل. وهم يعلمون أن استمرارهم فيما يتمتعون به، مُقترنٌ بالتواطئ والقبول، وتهيئة الظروف لإنفاذ ما تشاء امريكا وبريطانيا وفرنسا.
ما تتعرض له ايران من عقوبات وحصار هو تكرارٌ للمشهد العراقي والمشهد السوري، وتسويةٌ للارض التي سيسير عليها قطار فرض الامر الواقع كما تريدهُ اسرائيل وامريكا. المنهج الامريكي يبدأ بنزع اسنان واظافرُ كل من تتوقع مُعارضتهُ، ثم نزعِ رأسهِ إن إستمرت مُعارضته. نفسُ المنهج سَيُطبقُ لإنفاذ صفقة القرن. تُريد امريكا توقيعا على بياض من الاطراف العربية والاقليمية وعدم وجود معارضة حتى تكتسب الصفقة مشروعية تاريخية، تطوي ملف النزاع الفلسطيني الاسرائيلي الى الابد. سيتمُ إخلاءُ فلسطين تدريجيا من الفلسطينيين، لتكون كامل فلسطين "على الاقل" يهودية الثقافة، أي الديانة واللغة والعادات والترانيم والعِلمُ والعَلمْ واماكن العبادة وطعام الكوشر، وفي نفس الوقت محو اسم فلسطين الذي إخترعوه. وطالما أن العرب ما فتأوا يقفون مع الفلسطينيين لإنهم عرب مثلهم, وحيث أن الاراضي العربية شاسعة، إذاً، فعلى العرب إستقبالُ وتقبل إخوتهم عرب اسرائيل المتواجدين ما بين البحر والنهر، وان تنتهي حِقبةُ الاغتراب العربي في فلسطين، والاغتراب اليهودي من فلسطين.