ينتهك استقلالية الجامعات الرسمية

تتمتع الجامعات الرسمية بموجب القانون بشخصيات اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري ، وهذا الاستقلال منح للجامعات نظرا لطبيعة عملها التي تقتضي تعيين كوادرها الإدارية والأكاديمية بأساليب تمكنها من الوصول لأفضل الكفاءات وأجودها أداء، وبعيدا عن الآليات البيروقراطية التي تركز على المؤهلات الورقية والشهادات التي أضحت سهلة المنال والحوزة.

وفي الوقت الذي نعتقد فيه بأن على الجامعات إتاحة الفرصة لحاملي الشهادات العليا والعاطلين عن العمل للتقدم للعمل في كوادرها التدريسية والمنافسة على الشواغر التدريسية في مؤسساتنا التعليمية، فإن اختيار وتعيين المدرسين في الجامعات ينبغي أن يستند للكفاءة والقدرة والمهنية .الجامعات ليست مكانا لامتصاص البطالة وإنما مكانا للتعليم والبحث العلمي وتأهيل الطلبة لسوق العمل.

مجلس التعليم العالي برئاسة الأستاذ الدكتور وليد المعاني أوصى في جلسته المنعقدة بتاريخ 11-4-2019 بضرورة تبني الجامعات الرسمية لبعض الإجراءات التي من شأنها خلق فرص عمل للحاصلين على درجة الدكتوراه والمتعطلين عن العمل .من هذه الإجراءات: تخفيف أو إيقاف الإبتعاث للطلبة على حساب المنح في التخصصات التي يتوفر فيها أردنيين، والإعلان عن الشواغر الأكاديمية من خلال ديوان الخدمة المدنية فقط.ونحن إذ ندرك أن هذه التوصيات ليست ملزمة للجامعات فإننا نعبر عن الدهشة لتوصيات تتعارض مع القوانين والتشريعات الناظمة لشؤون التعليم العالي والجامعات الأردنية. ونورد هنا بعض جوانب التعارض مع هذه القوانين:

1- تتعارض توصيات المجلس مع المادة (3) من قانون الجامعات الأردنية الذي ينص على"تتمتع الجامعة الرسمية بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري ولها بهذه الصفة حق تملك الأموال المنقولة وغير المنقولة، وإجراء التصرفات القانونية جميعها...الخ".ماذا بقي من استقلالية الجامعات إذا كان تعيين الكوادر الإدارية أصبح بيد ديوان الخدمة المدنية وها هي الشواغر الأكاديمية يبدوا أنها ستلحقها؟ .هل أصبحت الجامعات مجرد دوائر حكومية يتم رفدها بالكوادر وفق مسطرة ديوان الخدمة المدنية الذي يعتمد في التعيين على الشهادة والمؤهل الورقي أكثر من اعتماده على الكفاءة والجدارة الفنية؟

2- توصيات مجلس التعليم العالي تتعارض مع منطوق المادة(16أ) بند(3) من قانون الجامعات الأردنية الذي ينص على"يتولى مجلس العمداء تعيين أعضاء هيئة التدريس في الجامعة وترقيتهم وتثبيتهم ونقلهم من فئة إلى أخرى..الخ". والسؤال المشروع هنا هل سيتولى ديوان الخدمة المدنية مهام مجلس العمداء في تعيين أساتذة الجامعات بعد أن وضع يده على تعيين الإداريين فيها!

3- تتعارض توصيات مجلس التعليم العالي مع مضمون المادة(25 أ) من قانون الجامعات الأردنية والتي تنص"تخصص الجامعة ما لا يقل عن 2% من موازنتها لأغراض الإيفاد فكيف يمكن فهم توصية المجلس بخفض أو إيقاف الإيفاد في بعثات علمي لنيل درجة الدكتوراه ،علما بأن الإيفاد يشكل القناة الحيوية الرئيسة التي تجدد دماء أساتذة الجامعات وتمكن الكليات المختلفة من الإبتعاث في التخصصات الدقيقة التي تحتاجها وللجامعات المرموقة التي تختارها ،لا أن يفرض عليها من لم يكن للجامعة أي دور في اختيار تخصصه أو مكان دراسته!

وفي الوقت الذي نتفهم الضغط الذي يواجهه وزير التعليم العالي والحكومة من أجل استيعاب الإخوة حملة الدكتوراه المتعطلين عن العمل ،ومع أننا نعتقد بأن من حقهم أن يجدوا فرص عمل مناسبة فإننا نسجل باستغراب كبير أن يتم التأثير على الجامعات من خلال سحب صلاحياتها للإعلان وملئ الشواغر الأكاديمية عن طريق ديوان الخدمة المدنية. نعتقد أن ذلك يتعارض مع ما تدعوا إليه وزارة ومجلس التعليم العالي لرفع الجودة في مخرجات الجامعات.

قانون الجامعات الأردنية لم يمضي على إقراره من الجهات التشريعية سوى بضعة شهور ولا أعلم كيف وقع مجلس التعليم العالي في هذا الخطأ الجسيم.

يكفي أن أشير هنا إلى أن ديوان الخدمة المدنية ووزارة التعليم العالي عممتا قبل أيام على الجامعات الرسمية أن تعيين ما اصطلح على تسميتهم بالفئة الثالثة من الموظفين(العمال والحرفيين) من غير المصنفين سيعود للجامعات وأن ديوان الخدمة المدنية سيتخلى عن تعيينات هذه الفئة للجامعات.عجيب ذلك والله أن يعاد للجامعات تعيين العمال ممن لا يحملون شهادة الثانوية العامة في حين يسلب من الجامعات تعيين الأساتذة وأعضاء الهيئة التدريسية فيها واعجبي.