تتدخل الحكومة بكل قوتها لمنع ارتفاع الأسعار في شهر رمضان وفجأة تقرر أن تكون اشتراكية تهدد وتتوعد التجار وتنذر بتحديد الأسعار وتحث الإستهلاكيات للبيع بسعر الكلفة وتشجع الدعم بطرق غير مباشرة.
في الدول الإشتراكية من العقود الغابرة فقط تحرص حكوماتها على إصدار بيانات لمخزونها الإستراتيجي من المواد الغذائية والحبوب, بينما يتولى القطاع الخاص في أنظمة السوق الحر مهمة الإستيراد وبناء الإحتياطي.
وفي تلك الأنظمة التي لم تعد قائمة, تتولى حكوماتها تحديد الأسعار والتدخل في وضع سقوف سعرية بينما في الأسواق الحرة تتولى التكاليف هذه المهمة ويتولى العرض والطلب تحديد هامش الربح.
عودة التجربة الفاشلة لوزارة التموين كانت من ضمن هذه الإشارات وهي استجابة لضغوط شعبية وتعني أن الحكومة لا تؤمن باقتصاد السوق وتحرير الأسواق وفتحها للمنافسة ولا تثق بالتجار بل ترغب في لعب دورهم استيرادأً وتصديراً وتسويقاً، ولكن الأخطر هو أن تتولى الحكومة مباشرة، أو عن طريق المؤسسات الاستهلاكية، بيع السلع بالكلفة أو بمعنى آخر العودة الى الدعم.
ها هي الحكومة تقرع مجدد طبول حرب على الأسعار في رمضان فتلوح بعقوبات لا حصر لها, وستعيد تثبيت مهام وزارة التموين وستستخدم المؤسسات الإستهلاكية لتحديد الأسعار مع أن العروض والمنافسة القوية في المولات هبطت بأسعارها الى ما دون أسعار الإستهلاكيات.
كل هذا غير مبرر ليس لأن الأسعار لن ترتفع بل لأن التجار سيدخلون الشهر الفضيل بتزويد السوق حاجته من المواد الغذائية بنسبة تقل بنحو 20 % عن شهر رمضان الماضي, ولأن القوة الشرائية للمستهلك انخفضت بذات القدر وتعويض هذا التراجع سيحتاج الى وقت طويل والمؤشرات تقول إن الطلب سيكون ضعيفا، فالاقتصاد ليس في وضع جيد جدا، ما يعني أن الطلب الذي يفترض أن يكون وراء ارتفاع الاسعار عامل غير متوفر. كان يجدر بوزارة الصناعة والتجارة والتموين أن تعود الى مسح التجارة الداخلية الذي تجريه دائرة الإحصاءات العامة كل سنة ويشمل جميع النشاط التجاري المحلي لجميع فروع التجارة المحلية لتقرر ما إذا كان تدخلها مبرراً.
كل ما فعلته الحكومة بقرعها لطبول الحرب على الأسعار هو أنها خلقت انطباعا بأن الأسعار سترتفع إن كان من سبب لارتفاع الأسعار فهو أن المستوردات تبلغ حوالي 14 مليار دينار سنوياً تعادل نصف الإستهلاك وتخضع لرسوم جمركية عالية و ضريبة مبيعات مرتفعة، عدا تكاليف الشحن والتأمين مايرفع أسعارها في السوق الى ضعف سعرها في بلد المنشأ.
الراي