تكشف قصة السور الحديدي الذي وضعه متنفذ على مدخل شارع حيوي في منطقة الشميساني بموافقة امانة عمان التي تراجعت عن موافقتها وازالت السور , عن وجع اردني خالص وخاص , بعدان استباحت السفارات والفنادق والمطاعم والشخصيات النافذة شوارعنا وارصفتنا منذ العام 2005 , بعيد تفجيرات عمان المشؤومة , فاستثمر كل راغب في الوجاهة وكل طامع في مساحة هيبة بهذه التفجيرات وسطا على رصيف وشارع او مسرب من شارع وسط اغماضة عين من امانة عمان وباقي اركان الجهات الخدمية والشُرطية.
اليوم ومع تنامي الظاهرة وتغولها بات لزاما فتح الملف على مصراعيه , فنحن نزور عواصم ومدنا عربية , ولا نجد فيها هذه المظاهر المريعة والمرعبة , وكأننا دولة تعيش حالة حرب , او حارة " كل من ايده اله " بعد ان تنامى على حواف هذه الظاهرة ظواهر لا تقل خطورة , وابرزها ظاهرة شركات الاصطفاف او " الفاليه " الذي يتحكم بمعظم المرافق الخدمية العامة وتحديدا المستشفيات العامة والخاصة , ولكم ان تتخيلوا ان الفاليه يتقاضى دينارين عن المركبة الواحدة وهناك زوج يدفع في الاسبوع 12 دينارا لعامل الفاليه في مستشفى وهو يوصل زوجته لغسيل الكلى.
اليوم وانت تسير في عمان , تكتشف حجم الفجيعة , فكل محل يضع حواجز على الرصيف وحواجز امام المحل على الشارع , تتراوح هذه الحواجز بين صناديق المشروبات الغازية وتصل الى موانع حديدية واسمنتية وحتى المساجد تضع هذه الحواجز الحديدية ومن يقترب من مسجد مقابل الجامعة الاردنية سيجد كيف ان امكانية الحادث قائمة لكل زائر جديد لتلك الزاوية التي وضع المسجد فيها خابورا حديديا , فهل نعيش في جمهورية موز ؟ ام ان هذه الطبقة باتت اقوى من كل الاجهزة الخدمية والشُرطية , طبعا ثمة تواطؤ عجيب بين اجهزة الرقابة واصحاب المحال والتجار على استمرار هذه الحالة . تحت هاجس الأمن المقدس عند الاردنيين , جرى احتلال الشوارع ومصادرة الارصفة , لصالح طبقة عجيبة باتت تستثمر في كل شيء وتعتدي على كل شيء , والعجب العجاب , ان اكثر دائرة استراتيجية في الاردن , لم تُحط نفسها بهذه الهالة , وحتى الديوان الملكي العامر تمر من امامه دون اي ملاحظة لاحتلال شارع او مصادرة رصيف كما هي الفنادق والمحال التجارية والسفارات , مما يجعل نظرية الامن والحماية خارج اطار التحليل ويثّبت رواية الاستثمار في الهيبة والمال , فكل " فاليه " لديه من يدعمه ويقف خلفه وكل مستثمر حصل على امتياز في شارع او رصيف لن يتخلى عن امتيازاته .
في غمرة الازمات الخانقة التي نعيشها اليوم , نحتاج الى كل متر من شوارعنا والى كل بلاطة من ارصفتنا , ونحتاج اكثر الى قانون للاراضي البيضاء , والتي تعني ان كل ارض يجب استثمارها للخدمة العامة لمدة محددة من السنين قبل السماح بالبناء عليها , وكذلك للاراضي غير المستعملة , وهذا قانون معروف في كل العواصم , فنحن لا نخترع العجلة والعالم سبقنا رغم ريادتنا , بسبب ترهل الادارة وعجز المسؤول او فساده واستثماره لوظيفته , فمنذ عقود وشوارعنا رهينة بأيدي الوافدين , ويجري تضمينها بمبالغ خرافية ومنذ سنوات ونحن نشكي ونبكي ولكن لا مجيب , فهل نحتاج الى انتفاضة او ثورة كي نحرر شوارعنا من الاحتلال المالي والاستثماري وشركات "الفاليه" العابرة للحدود , وثورة لعودة ارصفتنا الينا كي نمشي عليها دون مضايقة ؟ ربما .
omarkallab@yahoo.com
الانباط