388 ألف شاب وشابة أردنية ينتظرون دورهم للتوظيف في القطاع العام وفق بيانات ديوان الخدمة المدنية.
هناك عدد غير قليل من بين هؤلاء التحق فعلا بسوق العمل؛ داخل المملكة أو خارجها، وتعكف إدارة ديوان الخدمة على مراجعة الكشوفات التنافسية لتحديد طالبي الوظائف بدقة، وهذه المراجعة ستؤدي لتخفيض أرقام البطالة الفعلية.
لكن التدقيق في تفاصيل العدد الإجمالي يكشف عن جانب مهم من مشكلة البطالة، يتمثل في تركزها بأوساط الإناث، إذ تشير البيانات إلى وجود 291 ألف طلب لإناث من بين 388 ألف متقدم. أما الملاحظة الثانية فهي في نسبة حملة التخصصات التعليمية التي تعادل نصف العدد الكلي تقريبا، إلى جانب الارتفاع الكبير بنسبة حملة الشهادات الجامعية.
البطالة إذا في جانب رئيسي منها مشكلة نسوية في الأردن. الأردن شهد قفزة كبيرة في التعليم، وكان للنساء حظ وافر من هذه القفزة، لكن في غياب التخطيط السليم، وعدم توجيه مخرجات التعليم بما يتناسب مع حاجات السوق، برزت مشكلة البطالة في صفوف الإناث.
القفزة الكبيرة في التعليم الجامعي والتحاق الإناث بشكل متزايد بالجامعات والمعاهد المتوسطة لم يواكبه تحولات جذرية في ثقافة العمل، ولا في المجال الاجتماعي، فقد ظلت فرص النساء في العمل محددة بقيود اجتماعية واقتصادية حتى سنوات قليلة ماضية.
الرهان دائما على وظيفة حكومية للنساء، والأعين دائما على قطاع التعليم بالدرجة الأولى وهذا يفسر ارتفاع نسبة خريجي التخصصات التعليمية ومن بعده القطاع الصحي. لكن القطاعين أشبعا، وقدرتهما الاستيعابية محدودة سنويا. وخارج العاصمة لم يقدم القطاع الخاص فرصا وافرة تكفي لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الخريجات.
الإبقاء على الصيغة الحالية للكشوف التنافسية في ديوان الخدمة المدنية، يشجع الإناث تحديدا على انتظار وظيفة حكومية، وإن طال الزمن، ونحن بذلك نكرس البطالة واقعا عوضا عن فتح الأبواب للبحث عن فرص العمل خارج نطاق القطاع العام.
التعليم الجامعي مسؤول دون شك عن مشكلة البطالة في الأردن أكثر بدرجات من حالة الاقتصاد على ما فيها من مشكلات ومعيقات. لقد منح التوسع في المسار الأكاديمي، الأمل لمئات الألوف من الشباب والشابات بالحصول على وظائف مكتبية في القطاع العام، ومع مرور السنوات تعززت هذه الثقافة حتى أصبح تغييرها مهمة شاقة لا تقوى عليها الحكومات، وتتطلب سنوات من العمل للانتقال من ثقافة الوظيفة إلى ثقافة التشغيل.
الإناث ضحايا هذه السياسة، مثلما هن ضحايا لواقع اجتماعي يقيد حقهن في التنقل والعمل الحر.
اليوم ونحن نخطط لمواجهة مشكلة البطالة المتفاقمة وتعميم ثقافة التشغيل، ينبغي أن نأخذ في الاعتبار الإناث، ونبحث بكل الوسائل المتاحة عن خلق فرص عمل تلائم النساء في المحافظات، والتوسع في سياسات الإقراض لمساعدتهن على إقامة مشروعات صغيرة تدر دخلا، وفتح أبواب التدريب أمامهن بشكل خاص لاكتساب مهارات تتوافق مع متطلبات سوق العمل.
الغد