إلى كوكب يشبه الأرض، طُرد آدم آخر وحواء أخرى من جنة أخرى، أغواهما إبليس آخر. وسوس إبليس لآدم أن يستبد بحواء أيضا، وأقنعه بأنها ليست أكثر من ضلعٍ أعوج يمكنه كسره متى يشاء. وكان ياما كان، وألصق إبليس وآدم بحواء تلك، كل الموبقات، فبسببها حتى إبليس طُرد من الجنة. ومن يومها طاردت حواءَ كل اللعنات: فهل أبدأ بوأد البنات؟ أم بالهم حتى الممات؟ أم أتوقف قليلا عند جرائم الشرف؟ فشرف الشرف لم تتوج به إلا الفتيات!
حُجبت الأنثى فعليا خلف الأبواب المُغلقة أو خلف الستائر المُسدلة أو كان عليها دائما أن تختفيَ فعليا خلف لباسٍ كاملٍ يخفيها تماماً من رأسِها حتى أخمص قدميها لتحميَ نفسها من أعين آدم الذي قرر الاستقواء عليها بمساعدة إبليس من خلال اتفاقيةٍ كانت معلنةً منذ البدء، ولكن الإجراء بشأن هذه الاتفاقية لم يُتخذ بحق السلطان أبدا بل اتخذ بحق الجواري وبقي هو يصول ويجول ويفصّل القوانين الأرضيةَ والسماوية حسب مقاساته وبما يدخله جنات السماوات والأرض، وبقيت الجاريات جوارٍ في السموات العلا وعلى الأرض أيضا.
في ذلك الكوكب الذي يشبه الأرض ثارت ثائرة الجواري ذات يوم، فكسرت صولجان السلطان، وحكمت الأرض، وأماطت اللثام عن الوجوه والعقول، وأسقطت أوراق التوت عن سوءات الكثيرين الذين طفقوا يخصفون عليهم ما تبقى من أوراق.
أمسكت النساء بزمام الأمور وللوهلة الأولى ربما نجحت ثورتهن فبدأن بتغيير مسمى جواري إلى إناث. ثم قمن بكسر الأبواب المغلقة ورفع الستائر المسدلة. قررن البدء بإعطاء بعض الحريات مع مراعاة الكثير من الأخلاقيات خوفا من النقد أو الإخفاق. ثم، وكباقي الثورات، قررت الإناث محاكمة السلطان الجائر وحاشيته إبليس الذي يوسوس له.
كانت لائحة الاتهام طويلة، وكان حجم الفساد هائلا، وكانت أذرع السلطان وإبليس تمتد في كل مكان لتطال ثورة الإناث. استعان إبليس بشياطين زرق وحمر، وطمأن سيده بأن النساء لن تقوم لهن قائمة فقد أجتمعت شياطين الإنس والجن لأجهاض ثورتهن، فكل شيء يجب أن يبقى كما هو، يسير بطريقة معينة، وبدون تغيير. ولكن إذا كان هذا ما يراه إبليس وسيده وأعوانهما فللنساء رأي آخر.
اكتفت النساء من السلطة الأبوية التي فرضت عليهن تاريخيا، فقللت من شأن تفوقهن العلمي بين الذكور حتى لو ثبت واقعيا غير ذلك، وأخفت تفوقهن الاجتماعي لصالح الذكر في كثير من المجتمعات واعتبرته عارا، وهضمت حقوقهن واستضعفتهن إلا إذا تعلق الأمر بتقديم الخدمات للذكر فهن القادرات على ذلك، فمن العمل خارج البيت إلى العمل داخله إلى خدمة الأطفال ثم الزوج ثم الأهل.
رأت الإناث في ذلك الكوكب أن كل واحدة منهن تستحق أفضل من ذلك بكثير، ولكنهن أدركن أيضا أن ما يطمحن إليه إنما يمتلكه الرجل الذي لن يقدمه لهن على طبق من ذهب، لذلك كان لا بد لهن من ثورة على واقعهن للحصول على حقوقهن أو بعضها بأنفسهن، فقررن أنهن ماضيات في قرار الثورة وأن لا تراجع عن هذا القرار.
فهل ستنجح ثورة الإناث في ذلك الكوكب؟ وهل سنرى تجربة جديدة تحكم فيها النساء أرضا ما بعيدا عن همجية الرجل؟ هل سيقدم فكر المرأة وشعورها بالأمومة شيئا حضاريا للإنسانية أم أن هذه التجربة ستفتح صندوق باندوورا جديد تخرج منه شرور جديدة لم تتعرف عليها الإنسانية بعد؟ سننتظر ونرى إن كتبت لنا حياة في ظل الحضارة التي يقودها الرجل.