مع ثورة الاتصالات الرقمية وما وفرته من سهولة وسرعة في عمليات التواصل والوصول إلى مصادر المعلومات، ومع ما تحمله من نتائج إيجابية على الفرد والمجتمع إذا تم استغلال وسائل الاتصال والتقنية الحديثة على الوجه الأمثل، فإنه في الوقت نفسه تبرز آثارها السلبية مع التمرد على القواعد الأخلاقية والضوابط القانونية والمبادئ الأساسية التي تنظم شؤون الحياة الإنسانية.

فإذا كنا في السابق نستطيع معرفة اهتمامات أبنائنا ومتابعتهم ومراقبة علاقاتهم بالآخرين، فقد أصبحنا الآن ننظر إليهم وهم يتواصلون مع مجهولين رقميين يشكلون خطرا محتملا قويا عليهم ولا نستطيع أن نفعل شيئاً.

نجدهم يتصفحون مواقع مشبوهة خطيرة، وأصبح من شبه المستحيل مراقبة كل ما يشاهدونه من صفحات ومن يتصلون بهم من أشخاص.

في السابق لم يكن الأمر يحتاج لأكثر من «كبسة زر»، على جهاز التحكّم عن بعد لكي تضع الأم أو الأب حداً لمحتوى إعلامي على التلفزيون غير مرغوب فيه للأولاد، وسط جلسة عائلية تجمعهما معهم في البيت، فالأب والأم كانا بمثابة حارسي بوابة إعلامية فاعلان في حماية اولادهما من أي محتوى إعلامي يتعارض مع أخلاقهم وقيمهم وقناعاتهم وخلفياتهم الاجتماعية والسياسية.

أما اليوم فقد اختفى ذلك الدور الرقابي للوالدين حيث أصبح لكل فرد عالمه الخاص في العالم الافتراضي الرقمي مما قد يشكل خطراً على الأفراد والمجتمع مع استحالة مراقبة كل ما يتم مشاهدته أو متابعته أو سماعه.

نحن الآن في أمس الحاجة إلى سياسة وقائية تحفيزية، وقائية ضد أخطار التكنولوجيا، وتحفيزية للاستفادة المثلى من إيجابياتها. نحن بحاجة الى ما يسمى في دول العالم المتقدم بمفهوم المواطنة الرقمية Digital Citizenship. انها سياسة تتناغم مع الحاجة وتعبّر عن معايير السلوك الرقمي المناسب والمقبول المرتبط باستخدام التقنيات الرقمية،

سياسة توعوية تثقيفية لاستخدام رقمي آمن يستند لمعايير وأحكام مرتبطة بالقيم بقصد نشر ثقافة المواطنة الرقمية في البيت والأسرة وفي المدرسة وفي أماكن التعلم واللعب والتسوق تمهيداً لتهيئة الطلبة والأفراد للاندماج في المجتمع الرقمي والمشاركة الايجابية.

سياسة تمكينية تتمثل في الاستخدام المسؤول والأخلاقي والآمن من جانب الأفراد لتقنية المعلومات والاتصالات كأعضاء في المجتمع المحلي وكمواطنين في المجتمع العالمي.

تحوي مجموعة القواعد والضوابط والمعايير والأعراف والأفكار والمبادئ المتبعة في الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا والتي يحتاجها المواطنون صغاراً وكباراً من أجل المساهمة في رقي المواطن، كما تحوي مجموعة القيم التي يتبناها المواطن الرقمي في أثناء تعامله مع التقنيات الرقمية والتي تعكس مقدرته على تحمل مسؤولية تعامله مع المصادر الرقمية، وتلزمه بالرقابة الذاتية أثناء تعامله مع وسائطها المتنوعة.