لكي تستمر.. يجب أن لا تأخذ الحياة السياسية الداخلية عندنا على محمل الجدّ أبدا. بهذا الشرط يمكن أن تستمتع بما تراه من تفاعل لأشخاص على مسرح كومبارس يوفر نوعا "تشبيهيا" من الحراك "السياسي"! ويمكن أن ترى الجانب الطريف في جهود صحافيين وكتّاب لاجتراح تحليلات وتوقعات مثيرة تحلب الثور لتأخذ اللبن، وتخضّ الماء لاستخراج الزبدة.
موعد الدورة العادية لمجلس الأمّة يبقى لأسبوعين موضع تكهنات (ليش؟!) والكل يمحّص ويفحّص ويطرح تخمينات، وثمّة من يأخذ هيئة المُطّلع الواصل "فيسرّب" معلومات عن موعد أكيد، ويشارك بهذا الكرنفال علية القوم القائمون على المناصب والسابقون! ثم يأتي الموعد (وهو الحدّ الأقصى للتأجيل الذي يبيحه الدستور) مخالفا لكل التوقعات فيفجّر بركانا من التساؤلات حول الدلالات.. (شو هاظ؟)
تغييرات كبرى مقبلة! ليس أقلّ من توقع كهذا يلائم المفاجأة. وأية تغييرات كبرى؟ تغيير في الحكومة؟ تغيير في الديوان؟ ضع جانبا رئيس الأركان ومدير المخابرات، فالتغيير هنا له سياقه الخاص، لكن متى كان التغيير في الحكومة أو الديوان يرتبط بمشروع أو برنامج سياسي؟! ومتى كان عرض المنصب على شخصيّة ما هو عرض سياسي؟ ومتى جاء شخص إلى موقع يحمل معه علنا رؤية سياسية؟!
ترحل الحكومات تاركة وراءها تكهنات صحافية حول رحيلها، ونستقبل حكومات بتكهنات صحافية حول مجيئها!
التحليلات الصحافية وحدها تعطي معنى ومغزى لتغييرات لا تقول عن نفسها شيئا! والوزراء ليسوا فريقا يأتي برؤية وبرنامج فهم يتلاقون صدفة في حكومة واحدة، ثم يجتهد كل واحد في وزارته من دون أي صلة بمستوى القرار السياسي..
وتجود علينا الصدفة بوزير مناسب في موقع مناسب، ويمكن أن تعود الأمور ببساطة إلى نقطة الصفر مع وزير جديد من طينة أخرى، ولا شأن لأي برنامج أو رؤية حكومية بذلك. والأشخاص هم كل شيء وإذا صدف أن كان الأمين العام والوزير من مزاجين مختلفين، فسترى العجب العجاب في تسيير شؤون الوزارة.
التحليلات الأقل تحليقا في فضاء الفانتازيا تعيد غالبا أسباب التغيير إلى الأداء وهذا قد يكون حقيقيا بدرجة أو أخرى، لكن إذا كان تعثّر الأداء وراء كل هذا التجريب والتقليب، فالوقت حان لاستيراد فريق إدارة من الخارج!
هاتوا نستدرك أمرا لصالح التغيير المتواتر! فلنتخيل حكومات مديدة العمر على الطريقة المصرية، من دون حياة سياسية حقيقية وتنافس ديمقراطي، فأي ضجر سيصيبنا وأي بطالة ستضرب التحليلات وأي نكهة للحديث وأخبار التغيير واحتمالاته هي مِلح المجالس والصالونات.
jamil.nimri@alghad.jo