مترو عمان بين أهمية الفكرة والتحديات المحتملة
د. سامر إبراهيم المفلح
27-04-2019 11:07 PM
تشير البيانات الرسمية أن عدد المركبات المرخصة في المملكة بلغ 1,583,458 مركبة مع نهاية العام 2017، وبحسب هذه الأرقام فقد اقتربت نسبة نمو ترخيص المركبات من 100% خلال العقد الماضي، إذ إن أعداد المركبات المرخصة في العام 2006 كانت755,477 واليوم هي أكثر من ضعف هذا العدد، وتظهر الاحصاءات المتعلقة بعدد المركبات المرخصة حسب فئة المركبة وملكيتها والمحافظة، بأن مجموع المركبات في محافظة العاصمة عمان بلغ 83%، بما مقداره 1,315,251 في العام 2017 كما ويقدر عدد سكان محافظة عمان (العاصمة) في العام 2018 ما مقداره 4.3 مليون نسمة ليشكل ما نسبته 42% من سكان الأردن.
وكما هو معروف فإن الغالبية العظمى من المركبات في المملكة تعمل على الوقود المُنتج من المشتقات النفطية، ويشير التقرير السنوي الصادر عن وزارة الطاقة أن قطاع النقل يستهلك من الطاقة النهائية بجميع أشكالها ما نسبته 49%، كما يشير ذات التقرير أن استهلاك الطاقة الأولية من النفط الخام والمشتقات النفطية بلغ ما يقارب 57% من استهلاك الطاقة الأولية في العام 2017، أما بالنسبة للميزان التجاري ففي العام 2018 فقد شكّلت مستوردات المملكة من النفط الخام ومشتقاته ما مقداره 20% من إجمالي الواردات، كما شكّلت العربات والدراجات وأجزاؤها ما مجموعه 8% من إجمالي الواردات.
وقد دأبت العديد من المدن الكبرى حول العالم إلى بناء "أنظمة النقل السريع" وما يُعرف أيضًا بمصطلح "المترو" أو "مترو الأنفاق" التي تعتبر أحد أهم وسائل النقل في غالبية دول العالم، خاصة ذات الكثافة السكانية العالية، وأول مترو أنفاق تم بناؤه كان في لندن عام 1863، تلاه مترو إسطنبول في 1871، ثم مترو بودابست 1896، أما مترو باريس فأول خط تم وضعه للخدمة في 1900، أما عربيًا فمترو أنفاق القاهرة يعد أول خط مترو يتم تسييره في مصر والوطن العربي وقارة أفريقيا، وينقل ما يقارب من 3.5 مليون راكب يوميًا، ومع نهاية العام 2017 كان هناك حوالي 180 نظام مترو أنفاق حول العالم في 56 دولة، وهناك بعض النقاش حول عدد الأنظمة والذي يعتمد على عدة عوامل أحدها ما إذا كان يجب حساب الشبكات المتكاملة التي تديرها عدة شركات تشغيل كمترو واحد.
ولأنظمة مترو الأنفاق فوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية متعددة، فالأثر الاقتصادي على المستوى الكلي للدولة يتمثّل بقلة استهلاك الوقود المستورد، وقد يقل أيضًا استيراد السيارات وقطعها مما سينعكس على مستويات النمو الاقتصادي، وعلى مستوى دخل الأفراد فإن تكلفة اقتناء وصيانة وترخيص المركبات أعلى بكثير من تكلفة التنقل عبر مترو الأنفاق تصل إلى عشرة أضعاف أو أكثر في بعض المدن، كما أن الفوائد الاقتصادية غير المباشرة تتمثّل في زيادة الإنتاجية للأفراد من خلال تقليل وقت التنقل داخل المدينة بشكل كبير وسهولة الوصول إلى مختلف المناطق، أما الأثر البيئي فيتمثل بتقليل الانبعاثات الكربونية والتقليل من الضوضاء، كما أنه أحد أكثر وسائل التنقل أمانًا ويقلل حوادث السير بنسب عالية جدًا.
وفكرة مترو أنفاق للعاصمة عمان كانت حاضرة على مدار العقد الماضي، وبتصفح الأخبار والتصريحات الصحفية على شبكة الإنترنت تشير آخرها أن فكرة مترو عمان لم تتجاوز مرحلة الدراسات، وهو مشروع طويل الأمد يحتاج سنوات طويلة للتنفيذ وغير مطروح للتنفيذ في الوقت الحالي، أخبار سابقة أشارت إلى أن فكرة المشروع طُرحت على المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت عام 2015 وكان الاهتمام في وقتها متعلقًا بدراسة المشروع.
ولعل أحد معيقات تنفيذ مشاريع النقل الكبرى بشكل عام ومشاريع المترو بشكل خاص أنها مشاريع ذات تكلفة مرتفعة جدًا وتتطلب وقتًا طويلًا للتنفيذ، ويمكن التفكير بتنفيذ هذه المشاريع من خلال نظام البناء والتشغيل والتحويل، أو البناء والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T) أو التشييد والتشغيل ونقل الملكية، والذي مضمونه يتمثل بتولي مستثمر من القطاع الخاص بعد الترخيص له من الحكومة بتشييد وبناء أي من مشروعات البنية التحتية كإنشاء مطار أو طريق سريع من موارده الخاصة، على أن يتولى تشغيله وإدارته بعد الانتهاء منه لمدة امتياز معينة تتراوح عادة ما بين 15 - 40 سنة.
ويمكن التفكير في تطوير مفهوم البناء والتشغيل ونقل الملكية (B.O.T) التقليدي بحيث لا يقتصر على كبار المساهمين والممولين فقط بل أيضًا يمكن للشعب أن يتملّكوا في المشروع، وذلك من خلال إنشاء شركة مساهمة عامة وطنية من الشعب لتكون شريكًا للمستثمر مع ضمان عائد محدد بعد البدء بتشغيل المشروع، ويفتح المجال لجميع المواطنين بشراء أسهم في هذه الشركة، كما يمكن التفكير في تخصيص هامش بسيط جدًا من ضرائب الوقود، وضرائب تذاكر السفر، ومخالفات السير، ورسوم الترخيص للسيارات والأعمال تمول مساهمة الحكومة في تنفيذ المشروع.
لا شك أن المرحلة الحالية تتطلّب مشاريع تنموية كبرى من أجل الاستجابة للمتطلبات الاقتصادية، والخدمية, والاجتماعية في المملكة، وتشكل فكرة مشروع مترو عمان أحد الحلول الممكن تطويرها من أجل الحد من الاختناقات المرورية والارتقاء بخدمات النقل العام في العاصمة، وتحسين الواقع البيئي، والتي سيكون لها أثر ملموس على الحياة اليومية للعديد من المواطنين، إلا أن هذه المشاريع الكبرى غير التقليدية تتطلب تمويلًا كبيرًا ووقتًا طويلًا للإنجاز، والتي يمكن تجاوزها من خلال الترويج الصحيح والإيجابي للمشروع، وبناء الرأي العام، وإدارة التوقعات، مع ضرورة تبني السياسات الملائمة ونموذج التمويل المناسب، والذي سيشعر الجميع أنهم شركاء في تنفيذ المشروع.