الجزر العربية والتحديات المصيرية التي تواجه ايران
فؤاد الحميدي
20-09-2009 02:52 AM
رغم أن إيران تواجه تحديات كبيرة مع الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية إضافة الى بعض دول المنطقة سواء لجهة مفاعلها النووي او لجهة تدخلاتها في بعض المناطق العربية وسيطرتها على بعض المناطق العربية ، الا ان احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) هو الاساس في التاكد من مدى حسن النوايا الايرانية تجاه المنطقة العربية .
ولا بد من موقف إيراني واضح من موضوع الجزر الاماراتبية والابتعاد عن أسلوب الاستعلاء والاستخفاف في التعامل مع القضايا العربية وضرورة إعادة الجزر الى الإمارات العربية المتحدة سيما وان الامارات اتبعت الطرق الدبلوماسية في تعاملها مع ايران لحل هذا النزاع القائم منذ عام 1971 على اعتبار ان هذه الجزر محتلة ولابد لإيران أن تتخلى عنها واعادة سيادة دولة الإمارات العربية المتحدة الكاملة على هذه الجزر .
ان الاستمرار الإيراني فى تكريس احتلالها للجزر الإماراتية يعتبر تدخلا في الشئون الداخلية لدولة مستقلة ذات سيادة ولا تساعد على بناء الثقة وتهدد الأمن والسلام في المنطقة سيما وان البلاد العربية لا تتدخل في الشئون الداخلية الايرانية رغم الخلافات الداخلية الإيرانية بين المحافظين والإصلاحيين.
ومن المؤكد ان البلاد العربية لا تتدخل في سعي ايران لامتلاك أسلحة الدمار الشامل وتطالب في اخلاء المنطقة من هذه الاسلحة وخاصة اسرائيل التي تمتلك اكبر ترسانه نووية وضرورة تفريغ المنطقة من هذه الاسلحة لان المنطقة تخضع لصراعات شبه دائمة وهذا ما كان محور الاجتماع الخامس والعشرين للجنة العربية التي عقدت في مقر جامعة الدول العربية في السادس والعشرين من شهر حزيران من عام 2006 للاعداد لمعاهدة اقليمية لجعل منطقة الشرق الاوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الاسلحة النووية، والبيولوجية والكيماوية وموضوع مخاطر السلاح النووي واسلحة الدمار الشامل الاسرائيلية على الامن القومي العربي والسلم العالمي، وهو موقف يعبر عن الموقف العربي الجماعي في الحديث عن اخلاء منطقة الشرق الاوسط اسلحة الدمار الشامل اضافة الى التصريحات والمواقف العربية بهذا الشأن .
واذا كانت ايران تعتقد ان المساعدة التي قدمتها لإدارة بوش منذ 9/11 في الحرب على أفغانستان والعراق وبعض المناطق الأخرى قد ينجيها من تطوير قدراتها في مجال الطاقة النووية هو اعتقاد خاطئ لان الولايات المتحدة والغرب تركز في استراتيجياتها لخدمة مصالحها فقط.
ان مخططات الولايات المتحدة الامريكية على يدي برزجينسكي وكيسنجر اللذان رسما جغراسية المنطقة (الجيوبولوتيكية)وخططا للسياسة الامريكية سواء لجهة الحروب التي دارت في المنطقة او غيرها وكان برجيزنسكي من المساهمين في خطة إغراء/ المتطرفين/ الإسلاميين بأفغانستان في مراحلها المبكرة في 1979 للحرب ضد الاحتلال السوفيتي، والذي كان مشروعا لوكالة المخابرات المركزية ، حيث بلغت كلفته / 20 / بليون دولار نتج عنه حرب أهلية في أفغانستان استمرت لمدة/ 20 /عام، وفي النهاية، ظهور تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن.
ويبقى الاختلاف الظاهري في المواقف حول المخططات الامريكية تجاه ايران مجرد اختلاف على المنهجية وليس الغاية، لان التصميم الامريكي على تأمين مصالحها في المنطقة هو الهدف،فالخلاف والجدل بين المخططات الأمريكية قد وصل إلى "نقطة ما قبل الحسم".
وتعتقد بعض الأوساط ان إيران قامت ببناء معامل تستطيع صنع السلاح النووي ، الا انها لم تبدأ بعد بتخصيب اليورانيوم بها وهذا يبقى مجرد اعتقاد الا انه يعتبر خطوة لمزيد من التوتر وهوه بمثابة انذار قد يقود الى عمل ما ضد ايران ، واذا كان بعض المراقبين يعتقدون ان الحرب قاب قوسين او ادنى ، فان البعض الاخر يقول ان امريكا تستخدم مع ايران سياستها التي استخدمتها في القرن الماضي (العصا والجزرة).
وهناك اعتقاد يقول أن الولايات المتحدة ممثلة بإسرائيل في المنطقة هي المخولة فقط بفرض انتشار أسلحة الدمار الشامل وهو اعتقاد تأكد من خلال الادعاء على امتلاك العراق لمثل هذه الأسلحة القادرة على إرهاب الكوكب وهذا ما تريده أمريكا وضرب احدى المناطق السورية وذلك لمجرد ادعاء اسرائيل بان المكان المستهدف في سوريا هو لتصنيع لأسلحة الدمار الشامل .
ان مسألة الحرب مع إيران تتعقد أكثر بتهديدات إسرائيل المتكررة لتدمير أي منشأة يعتقد أنها تستخدم لإنتاج الأسلحة النووية وهذا ما يبرر تزويد أمريكا المستمر لإسرائيل بالأسلحة المتقدمة التي استخدمتها إسرائيل للهجوم على المفاعل النووي العراقي عام 1981، وعلى سوريا مؤخرا وهي "أسلحة مختارة" كما تقول المصادر الإسرائيلية .
ان أهداف إسرائيل تلتقي مع المخططات الأمريكية ليكون هجومها واسع بحيث لا تشمل بوشهر فقط، التي من الواضح أنها محطة رئيسة ولكن تشمل محطات الماء الثقيل وتخصيب اليورانيوم، ومفاعل الماء الثقيل الذي لم ينتهوا منه بعد، وأي اهداف آخر تكون محل شك واتهام.
وهناك جهود امريكية غربية حول مسألة "تغيير النظام" في إيران وهذه الخطورة التي تواجهها ايران وتدعي به حالية بعد الاضطرابات الاخيرة بعد انتخاب نجاد رئيسا .
وبالعودة للحديث عن أزمة الجزر الاماراتية المحتلة والأبعاد السياسية لها فان استمراراحتلال ايران للجزرالاماراتية ليس ذريعة رغم ان بعض الدول التي تعد من اللاعبين الرئيسيين اثارتها بطريقة او اخرىالا ان ازمة الجزر العربية المحتلة لا علاقة لها بالازمة الايرانية المطروحة .
فاذا كانت ايران تدعم بعض القوى في المنطقة مثل حزب الله وتدعي بانها تعمل لتحرير فلسطين فان هذا لاقى التاييد الشعبي العربي وهو نقطة ايجابية في القاموس الايراني فان هذا لايعفيها بانها تحتل الجزر العربية لانه لافرق بين الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والاحتلال الايراني للجزر العربية ، فالاحتلال هو احتلال لافرق بين احتلال واحتلال لانه لا يتغير واذا كانت ايران اخذت ما ليس لها حق فيه، واستخدمت القوة للاستيلاء على جزر الامارات، فان اسرائيل قامت بنفس الفعل ، لان الاحتلال اصلا مرفوض مع الفارق بان ايران دولة اسلامية مجاورة وهذا يخولها ان تحمي لا ان تحتل ويستوجب عليها طمئنة الدول العربية المجاورة لا تخويفها ,
فقضية الجزر هي في المقام الأول قضية سياسية بحتة، لانها اعطيت لإيران ضمن صفقة سياسية تمت بين الشاه وبريطانيا في اواخر الستينات، وكانت الامارات ضحية هذا التفاهم الذي تم بين القوى الكبرى الحاكمة في المنطقة في تلك الفترة، عندما احتل الشاه جزر الامارات كانت الجزر بالنسبة له وسيلة لتأكيد زعامته السياسية. كما استخدمت الجزر كرمز لبروز ايران كقوة اقليمية كبرى ، وكان هذا في ظل توافق بين رغبات الشاه التوسعية من ناحية وبين المصالح الامريكية انذاك في الخليج العربي .
فاذا كانت الجزر الامارتية تشكل للشاه انذاك قضية سياسية ،فماذا تشكل في ظل النظام الاسلامي الايراني الحالي؟ ورغم التناقضات بين اهداف الشاه واهداف الثورة الاسلامية،الا ان الاحتلال استمر والتعامل السياسي نفسه استمر في ظل الجمهورية الاسلامية الايرانية، الذي قرر الاحتفاظ بالجزر ، ليس من منطلق وجود أي حق لإيران في الجزر، وإنما من منطلق قراءة سياسية ربما تكون خاطئة وواهمة تدعي بأنه في حالة عودة الجزر ستقوم الامارات بتسليمها لقوى خارجية معادية للثورة ولإيران.
هذا الاعتقاد الخاطىء هو الذي تحكم في السلوك الايراني في ظل الجمهورية الاسلامية التي لم تدرك ان الامارات لا تفكر بهذه الطريقة، وظهر مؤخرا عامل آخر جديد هو الصراع السياسي الايراني الداخلي( الإصلاحي والمحافظ في ايران) المزايدات بين التيارات السياسية التي انعكست على المواقف الرسمية حيث يحاول كل تيار سياسي وكل مسئول إيراني تأكيد وطنيته وزيادة شعبيته من خلال التشبث بقضية الجزروالحديث عن السيادة الايرانية على هذه الجزر لدوافع انتخابية وسياسية بعيدة كل البعد عن الحقوق التاريخية او القانونية.
والخلاصة ان ايران كانت ومازالت تحتل جزر الامارات العربية لاعتبارات سياسية داخلية وخارجية هذا ما يحدد السلوك الايراني تجاه قضية الجزر، فلم تكن القضية بالنسبة لإيران في أي وقت من الأوقات قضية قانونية او تاريخية او مبدئية.