سرجون الأكدي وعبقرية العراق
رجا طلب
26-04-2019 07:34 PM
تفرد العراق ومنذ الأزل بعدة خصائص أبرزها أنه موطن أقدم حضارة في التاريخ ألا وهي حضارة سومر القديمة، وتفرد بأن تلك الحضارة هي أول من علمت البشرية الكتابة والخط، وأن حضارة بابل هي من بنت أول أعجوبة من عجائب الدنيا في التاريخ ألا وهي حدائق بابل المعلقة، وأن ذات المدينة هي من أنجبت حمورابي وشريعته التي تعد أول شريعة قانونية في تاريخ البشرية، وأن سرجون الأكدي أول من أوجد دولة مدنية في تاريخ البشرية وألغى سلطة رجال الدين والكهنة وأقام نظاماً سياسياً كان الأول في التاريخ البشري الذي منحت بموجبه المحاكم في عهده سلطات مستقلة منعت أي تدخل في قراراتها وأحكامها.
لقد أنشأ سرجون الدولة الأكدية وعاصمتها "أكاد" والتي يرجح المؤرخون أن يكون مكان هذه العاصمة التى حكمت العراق وايران وتركيا وأطرافاً من أوروبا في منطقة وسطى بين مدينة الحلة "بابل التاريخية" ومدينة الناصرية أقصى جنوب العراق بالقرب من مدينة البصرة.
أستطيع القول إن الملك سرجون هو النموذج المثالي للحاكم في العراق، وعندما نقول الحاكم المثالي أو النموذجي فنحن لا نقصد البعد الأخلاقي أو المثالي بل نقصد البعد المتعلق بإدارة الدولة ومقدراتها ودعم عظمتها، ويبدو أن قدر العراق الذي كان محمد مهدي الجواهري، هذا الشاعر العظيم يلفظ اسمه بالعُراق وليس العِراق، حيث أجاب عندما سئل لماذا تقول: العُراق بضم العين وليس العِراق، فأجاب: يعز علي كسر عين العراق!
هذا العراق الذي يعد بيئة تاريخية خصبة لدراسة عظمة الإنسانية والفكر الإنساني وصناعة العباقرة والقادة على مر التاريخ يتحول اليوم إلى ما يشبه وبلا أية مبالغة لمرحلة ما قبل "سرجون العظيم". فالعراق اليوم يشبه تماماً ما حل به في فترة "الشاه اسماعيل الصفوي" الذي حوًل العراق السني وتحديداً جنوبه إلى المذهب الشيعي، وذلك في صدر نشوء الدولة الصفوية في 1505 ميلادي، وكانت تلك الحقبة من التاريخ هي الفصل الأكثر خطورة في تشويه هوية العراق وثقافته، غير أن أصالة أهل جنوب العراق وعروبتهم المتجذرة هي من ابقت للعراق جذوته العروبية وأصالته.
العبرة من كل ما سبق تتمثل في السؤال التالي: كيف تحول العراق وعاصمته بغداد التي كانت تحكم ثلثي العالم الى بلد متهالك، فاسد، وعاجز؟، في الجواب أنه العهد الصفوي الجديد الذي يتمثل بإيران الملالي أي رجال الدين الذين أنهى حكمهم قبل ما يقارب سبع الاف سنة سرجون الأكادي.
بعد سرجون الأكدي، كان الحجاج بن يوسف الثقفي، وكان أبو جعفر المنصور، وكان هارون الرشيد، وكان فيصل الأول بن الحسين الأول، وكان نوري السعيد، وكان صدام حسين الذي أذل الفرس وأذل الخميني وأجبره على شرب كأس السم أي قرار وقف إطلاق النار رقم 589، والسؤال الكبير هنا هل عراق اليوم عاجز عن استعادة حريته وعروبته أم أن الامر أكبر منه؟
في ظني أن قادة العراق اليوم بأغلبيتهم ليسوا معنيين بما يحصل في أهم دولة عربية في المشرق العربي وأقصد العراق، فهم تواقون في أغلبهم ولا أعمم إلى سرقة نفطه وأمواله وفي ذات الوقت رفضه كوطن والعيش في المنافي الأوروبية بعدما أفقدوه كل مقومات الحياة العصرية من ماء وكهرباء وبنى تحتية .
24: