الاستثمار والسياسة النقدية في الأردن
د. حسين البناء
26-04-2019 02:05 AM
تحرص أجهزة الدولة الاقتصادية على نهج (الاستقرار النقدي) و انعكاساته على سعر صرف (الدينار الأردني) مقابل العملات الأجنبية (و خاصة الدولار الأمريكي) منذ الأزمة الاقتصادية الكبرى (عام 1989)، حيث تتركز جهود (البنك المركزي - عرَّاب السياسة النقدية) على تثبيت سعر صرف الدينار مقابل الدولار في محيط (1.4$).
الاستقرار النقدي بحد ذاته، و كمؤشر اقتصادي هو أمر إيجابي و مطلوب، و من أحد إجراءات ضبط (سعر الصرف) هو التحكم (بسعر الفائدة) على أدوات السياسة النقدية، وهذا ما أعلنه رسميًا البنك المركزي منذ آخر عام 2018 برفع سعر الفائدة (25 نقطة أساس) في كل مرة، مبررًا ذلك بكبح الميول التضخمية و تحفيز الطلب على الأدوات المُصدَرة بالدينار.
تتجلى المشكلة الحقيقية بتمسك (السياسة النقدية) بمبدأ (رفع سعر الفائدة) كوسيلة لكبح التضخم و تعزيز الطلب على الأدوات المصدرة بالدينار، في الوقت الذي تتجاهل فيه أهمية الاستثمار الحقيقي في القطاعات الاقتصادية المُنتِجة للسلع و الخدمات، بمعنى آخر، فإنه يتم تحسين بيئة العمل في النظام المالي على حساب بيئة العمل في الاقتصاد الحقيقي الذي يخلق الوظائف و يحسن الإنتاج و التصدير و يُوطّن المعرفة و التقنية.
المال الفائض بيد (الأفراد و الشركات و الصناديق الاستثمارية الحكومية) ينظر إلى أفضل فرصة استثمارية لينمو بها، و عندما يجد أداة مالية متاحة للاستثمار و تتمتع بقدر مُغرٍ من (السيولة و المخاطرة و العائد و المدى) فإنه يُفضّلها على أية فرصة أخرى للاستثمار بالاقتصاد الحقيقي المُرهِق و الذي يتطلب الانخراط في الإدارة و القرار و الابتكار و المنافسة...الخ ، و كلما ارتفع (سعر الفائدة) كان (العائد) أعلى على الاستثمار في الأدوات المالية، الأمر الذي يوجه الاستثمار نحو السوق المالي بدلًا عن الاستثمار في الصناعة و الخدمات.
التضخم يقلل (الربح الفعلي) من الاستثمار في السوق المالي؛ فهو مخصوم من (الربح الاسمي)، ولكي يتم تعويض المصارف عن خسارتها بسبب التضخم فإنه يتم رفع سعر الفائدة على قروضها السابقة و الحالية، وفي ظل (عقود الإذعان) التي تستأثر المصارف بها، فإنه يتم التملص من تسليم و قراءة مضمون (نص عقد الدين) من جهة المصارف للمقترضين، و خاصة إذا كان حجم الخط مجهريًا !. إذن نحن أمام حالة استقواء و ليس نمط تسيير طبيعي للنشاط المالي و الاقتصادي في الدولة الرأسمالية.
رفع سعر الفائدة يشجع من لديه فوائض مالية على الإقراض أو التوفير في المصارف أو شراء الأدوات المالية؛ لأن ذلك معناه عائد أعلى، بينما ذلك يشكل عبئًا على أصحاب المشاريع الريادية و من يحتاج المال لأغراضه المختلفة، وهذا معناه رفع عبء الدين، مما يعني رفع الكلفة على المشاريع و المبادرات الريادية.
هنالك تجربة يابانية تمثلت بخفض سعر الفائدة ليصل الصفر (0.1% - ) في العام 2016 ، بعد تجربة الدنمرك و سويسرا و البنك المركزي الأوروبي (عام 2014) ؟!
فهل نحن أمام مبدأ مقدس يتمثل باستقرار سعر صرف الدينار و لو على حساب التوجهات الاستثمارية التي تعتبر المحرك الحقيقي للاقتصاد ؟!
الأردن منذ أزمته السياسية و الاقتصادية عام 1989 وهو يدور في حلقة مفرغة، الاقتصاد المحلي هو الأكثر حاجة لخلق الوظائف و توطين التقنيات و المعارف، و هو القادر على أن يكون عقدة تمركز للاستثمار في المنطقة، ولا بد من حلول خلاقة و جريئة للخروج من عنق الزجاجة الممتد، قد يكون أحدها "تصفير" سعر الفائدة.