عندما يأتيك ميتشيل بالخبر اليقين!
د. محمد أبو رمان
19-09-2009 05:38 AM
*** جاءنا ميتشيل بالخبر اليقين من تل أبيب، وحدّ من سقف التوقعات على الضغوط الأميركية، على الأقل على المدى القريب ..
لم تُجد محاولات المبعوث الأميركي للمنطقة جورج ميتشيل في تغيير الموقف المتعنت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف الاستيطان تمهيداً لاستئناف المفاوضات السلمية على قاعدة صلبة.
الحكومة الإسرائيلية أصرّت على إكمال المستوطنات التي شرعت في بنائها، وعلى إخراج القدس من التعهد بتجميد الاستيطان، ولم تُقدم أي تنازلات في حقيبة القضايا الحساسة المتعلقة بالحل النهائي.
الفشل الأميركي في انتزاع مواقف إسرائيلية مقبولة، أصاب "مطبخ القرار" في عمان بخيبة أمل كبيرة، إذ كان يعوّل كثيراً على قدرة أوباما في الضغط على الحكومة الإسرائيلية وفي عزل طروحاتها دولياً، لإضعاف موقفها خارجياً ورفع كلفته داخلياً.
مع ذلك يتطلع "مطبخ القرار" إلى الولوج من أي ثغرة واستثمار اي تنازل أو تعهد إسرائيل في سياق المعركة الدبلوماسية، لمنع إسرائيل من التمادي في فرض واقع جديد، من خلال المستوطنات التي تلتهم الأراضي المحتلة وعملها المتواصل لتغيير هوية القدس وفرض الصيغة اليهودية عليها.
يبدو هذا هو الخيار الواقعي المتاح، في رؤية "مطبخ القرار" الأردني، في سياق ضعف الموقف الرسمي العربي من جهة، واستفراد إسرائيل بالفلسطينيين، وفي ظل – أيضاًَ- واقع فلسطيني مقلق.
على الأغلب سيحضر الرئيس الفلسطيني محمود عباس القمة الثلاثية في نيويورك، بالرغم من عدم حصول الفلسطينيين والعرب على التعهد المطلوب من إسرائيل لوقف الاستيطان. والسبب يعود، وفقاً لمصادر دبلوماسية عربية، لقطع الطريق على نتنياهو، في حال عدم موافقة الفلسطينيين، ليقول للعالم والأميركيين إنّ المشكلة في الفلسطينيين، وهم الذين يرفضون استئناف التسوية السلمية.
يتمسّك "مطبخ القرار" في عمان بتعهد أميركي بالقيام بدور فاعل في مفاوضات السلام، وبمراقبة حثيثة تمنع إسرائيل من إنشاء أي مستوطنات جديدة، وباستمرار الضغط الدولي والأميركي على الحكومة الإسرائيلية اليمينية لتغيير مواقفها تجاه العديد من القضايا، وبدعم جهود الرئيس أوباما الذي يصرّ على تحديد إطار زمني (عامان) لإعلان قيام الدولة الفلسطينية.
إذن، خطاب أوباما المنتظر لن يكون، على الأغلب، كما يطمح العرب بمثابة "حدّ فاصل" يصوغ طبيعة المرحلة المقبلة، ويحدد مساراتها والنقاط الرئيسة في الحل النهائي، إنّما سيعيد استئناف المفاوضات من جديد. ومع ذلك فالعرب يقبلون بما توصل إليه الأميركيون، حالياً، من تنازلات إسرائيلية، ويبنون عليها.
من الواضح أنّ الرهان الرئيس لمعسكر "التضامن العربي"، اليوم، يكمن على "المعركة الدبلوماسية" في تجذير الفجوة بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية، واستثمار التحول الملحوظ في الموقف الدولي من إسرائيل، وتحميلها مسؤولية توقف العملية السلمية، والضغط عليها من أجل تغيير مواقفها المتطرفة تجاه الفلسطينيين، ما يضعف من صلابة تحالف "اليمين" المسيطر في إسرائيل.
يترتب على هذا المشهد أنه لن تكون هنالك ظلال داخلية لخطاب أوباما، بخلاف ما كانت تذهب توقعات نخبة من السياسيين، بخاصة مع تأجيل الدورة العادية لمجلس الأمة إلى شهر كانون الأول (ديسمبر)، ما فتح شهية الجميع على التحليل ورسم السيناريوهات، التي تربط ذلك بانتظار ما سيسفر عنه الضغط الأميركي على إسرائيل.
جاءنا ميتشيل بالخبر اليقين من تل أبيب، وحدّ من سقف التوقعات على الضغوط الأميركية، على الأقل على المدى القريب.
هذا يعني أن الوقت ما يزال مبكّراً على ترتيب البيت الداخلي بصورته النهائية. في المقابل سيتحدّد مستقبل الحكومة (ما بين التعديل والتغيير) ومصير بعض التغييرات المتوقعة على اعتبارات داخلية، تحديداً اقتصادية، كمواجهة عجز الموازنة والقدرة على تمرير قانوني ضريبة الدخل والضمان الاجتماعي في البرلمان.
والحال نفسها تنطبق على مدى شعور صانع القرار بقدرة مؤسسات الدولة المختلفة على القيام بمهماتها المطلوبة.