أعتبر زعماء الحركة الصهيونية مدينة القدس، ومنذ ان تم تحديد فلسطين كوطن قومي لليهود في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 ، محور البناء العقائدي الصهيوني وإستراتيجية السياسية على حد سواء. وفي كافة مراحل التطبيق العملي لهذه الإستراتيجية بدءا بالتبشير والدعوة، وانتهاء بإعلان قيام دولة ''إسرائيل'' في فلسطين في 14 أيار 1948، والاستيلاء على شطري القدس الشرقي والغربي وتوحيدها بعد كارثة حزيران 1967 ، ثم إعلانها فيما بعد العاصمة ''الموحدة والأبدية للدولة العبرية''. فمنذ ذلك التاريخ سعت الجماعات اليهودية والمؤسسات الرسمية الإسرائيلية ، بوضع التصورات والخطط من اجل هدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، ووضع استراتيجيات عملية مدروسة ومتدرجة من اجل تنفيذها، بهدف إزالة هذين المعلمين الإسلاميين الهامين والمؤثرين في واقع الصراع العربي - الإسرائيلي وقابل أيامه، بالإضافة الى بعدهما الديني والعقائدي في وجدان العرب والمسلمين.
فقد قامت السلطات الإسرائيلية منذ البداية بإجراءات من شأنها تهويد مدينة القدس ، كالحفريات تحت المسجد الأقصى وجواره، خصوصا من الناحيتين الغربية والجنوبية، مبررة ذلك بمحاولة البحث عن بقايا آثار الهيكل المزعوم، الذي تدعي إسرائيل بان سيدنا سليمان عليه السلام بناه في موقع المسجد الأقصى، كما ورد في ''التوراة والتلمود'' حسب زعمهم. هذه المزاعم لم تجد لها نصيرا أو مؤيدا لا من قبل المؤرخين أو الباحثين سواء أكانوا عربا أو مسلمين أو مستشرقين، ولا حتى من قبل الكتب السماوية وتحديدا القرآن الكريم، الذي بالإضافة الى قدسيته، وعدم إتيان الباطل له، لا من بين يديه اوخلفه ولا من يمينه او شماله، يمثل ذاكرة الإنسانية والمصدر الفريد لجميع القصص والروايات التي ارتبطت بحياة الأنبياء وسيرتهم .
هكذا يهدف العدوان الإسرائيلي على مدينة القدس من خلال هذه الحفريات إلى هدم المسجد الأقصى المبارك، وإنشاء الهيكل داخل محيط الحرم القدسي الحالي، والذي قامت السلطات الإسرائيلية بتصميمه على شكل يشبه الهيكل المزعوم. ومن أجل ذلك تواصلت المحاولات المتكررة لهدم المسجد الأقصى المبارك من خلال الأعمال الإنشائية المستمرة، والتي أصبحت تمثل مركز خطر وتهديد للمسجد الأقصى. حيث تسببت هذه الحفريات في إحداث العديد من التشققات والتصدعات في جدرانه، والتي أصبحت تتساقط في بعض جوانبها. تزامنت تلك مع السياسة الإسرائيلية التهويدية للمسجد الأقصى، والقاضية بمنع إعادة بناء بعض ردهات المسجد الأقصى أو حتى أي عمل ترميمي أو إجراء صيانة له. وما استعمال السلطات الإسرائيلية للحوامض والمواد الكيميائية التي تذيب الصخور، والآلات المحطمة لها إلا جزءا من المخططات الإسرائيلية الرامية إلى هدم المسجد الأقصى. حيث أوهنت هذه الأعمال القواعد الأساسية للمسجد وجعلته عرضة للأخطار.
وقد استمرت المحاولات الإسرائيلية منذ سقوط الأقصى في براثن الاحتلال لتدمير هذا المعلم العقائدي والإسلامي، وكانت البداية على يد المتطرف الصهيوني ''دينيس مايكل'' الذي قام بإحراقه عام 1969، واتى هذا العمل العدائي على منبر صلاح الدين التاريخي، والذي أعيد بناؤه بأمر من جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وذلك بعد ثمانية وثلاثين عاما من العدوان على هذا المسجد، والذي يعتبر من أكثر الجرائم إيلاما للشرف والكرامة العربية بعد استباحة الغرب واحتلالهم لحاضرة الأمة العربية بغداد.
و في الوقت الذي يؤكد فيه الأردن بقيادة الملك عبد الله الثاني على استمرار رعايته للمقدسات الاسلامية في فلسطين، والتأكيد على تثبيت المواطنين العرب، مسلمين ومسيحيين في ارضهم، يستمر العدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى، والمتمثل في تسارع عمليات الحفر والترميم وإزالة أبنية عربية وإسلامية- تراثية من اجل تغيير المعالم التاريخية للمدينة وتغيير هويتها العربية الاسلامية والمسيحية، دون أن نسمع عن وقفة عربية أو اسلامية مسئولة، تجاه هذا العدوان الذي يستهدف عقيدة الأمة ووجودها.
almajali47@yahoo.com