«طهور الذكور» من المناسبات التي اختفت من المجتمع الأردني. وكانت مناسبة للاحتفال والفرح، وتبنى الصواوين وبيوت الشعر، وتذبح الاغنام وتقدم الولائم احتفالا بطهور الاطفال الذكور.
مناسبة رمزية للاعلان عن الذكورة، والطاهرة معا. وهي من العلامات الفارقة للافتخار بالمولود الذكر، وعلى نقيض الوعي التقليدي المشرقي المحافظ التي ينظر الى الانثى بعين ناقصة، وتقل تقديرا عن الذكر.
المجتمع شطب مناسبة، ودون أن يولد غيرها. لربما هو صراع بين الاشكال، وحتميات تفرضها تطورات بطيئة في المجتمع، فتطور الطب والعلوم وظروف اجتماعية موازية ما عاد يدفع مبررا لبقاء الطهور، ولا حتى الاحتفال به في مجتمع المرأة تشارك وتصارع وتنافس الرجل على العمل والانتاج والبناء.
«طهور الذكور» عادة موروثة من المجتمعات القديمة، من أيام الفراعنة والبابليين والانباط والكنعانيين، وعرفت أيضا في الروايات الدينية عند اليهود وبعض الطوائف المسيحية. وحتى جاء الاسلام وأوصى بها، والبعض أخذها على منحنى الوجوب والالتزام الشرعي.
العادة ارتبطت بالمجتمعات الذكورية التي تنصب احتفالا لقدوم الذكر، وتنكس الاعلام وتزال الرايات وترفع البوارق السوداء وتشق الصدور عند قدوم فتاة. وقبل الدعوة المحمدية في الجزيرة العربية كانت اقوام تقوم بوأد الاناث، وهذا ما نهت عنه تعاليم الاسلام لاحقا وحرمته، وجعلته ضربا من ضروب العصيان والكفر بالله.
طهور الذكور من تخيلات المجتمعات القديمة بان قوة الذكر السحرية مرتبطة بـ»منطقة معينة». وهناك مجتمعات أيضا قامت بعادات لـ»ختان الاناث «، وعلى اعتبار أنها محاولة للسيطرة على قوتها وطاقتها الباطنية، ولكن الاحتفال لا يقام لختان الانثى على عكس الذكر.
صورة الرجل في الطهور أقوى من المرأة بالختان، وهكذا احتفظت المجتمعات في خيالها. وأما اليوم فان طهور الذكور يقام دون احتفال ولا فرحة، فاول ما ينزل المولود يجري الطبيب عملية الطهور على السريع، وكأن امرا لم يجر.
و أتذكر دائما طهوري، وقد كنت في الصف الأول الابتدائي، وكيف تنصب الافخاخ والحيل ليجرى الطهور. واتذكر أيضا «المطاهري « يحمل شنتة سوداء وتحتوي على عدة الطهور، ويتجول في الحارات،و قدومه الى القرية كان محملا بالفرح والخوف للاطفال الذكور. ومهما عبرت سنين العمر، فمن الصعب «نسيان الطهور». وهي لحظة نزاع للذات ولاكتشافها بتوترها وحنانها ومشحونها الانساني
الدستور