حالة من التوجس والترقب تسود أوساط الحكومة مع قرب شهر رمضان المبارك وفي البال أحداث الدوار الرابع في شهر رمضان من العام الماضي، التي كانت السبب الرئيسي في استقالة حكومة الملقي وتشكيل حكومة الرزاز.
تحاول الحكومة قدر استطاعتها تنفيس ملفات التأزيم للحؤول دون انفجارها في رمضان، وقد اتخذت من الإجراءات ما يساهم فعلا في تهدئة المزاج العام، وإظهار الرغبة الأكيدة في التجاوب مع هموم الناس وظروفهم المعيشية.
الأوضاع الاقتصادية في الأردن ما تزال صعبة، وهي كذلك منذ سنوات، ومع بدايات العام الحالي ظهرت بوادر جدية لانفراجها، لكن تلمس النتائج يحتاج لبعض الوقت. مع التذكير بأن السبب المباشر لاحتجاجات الدوار الرابع في رمضان الماضي كان قرار الحكومة برفع أسعار المحروقات بنسب عالية، وسبقها تأزم العلاقة مع النقابات بسبب مشروع قانون ضريبة الدخل.
قانون الضريبة أصبح خلف ظهورنا، والحكومة لا تنوي تعديل تسعيرة المحروقات نهاية هذا الشهر. بمعنى آخر لا فتيل متوفرا لإشعال أزمة مع الشارع. على العكس من توقعات البعض القلقة فشهر رمضان يأتي في لحظة سياسية غير مسبوقة تتوحد فيها إرادة الدولة والشعب حول ثوابت أساسية لقضايا وطنية كبرى.
القوى الحزبية والبرلمانية والفعاليات الشعبية تتخذ موقفا مساندا عز نظيره للدولة في ثباتها حيال تسريبات ما يسمى بصفقة القرن الأميركية، وتدعم لاءات جلالة الملك بكل قوة، لا بل تبحث في وسائل إسناد الملك وتصليب موقف الدولة في المرحلة المقبلة، اكثر من انشغالها بنقاط الاختلاف مع الحكومة.
شهر رمضان سيمضي وسط ترقب وتكهن لما ستتضمنه صفقة القرن التي أعلن البيت الأبيض رسميا نيته الكشف عن تفاصيلها بعد رمضان مباشرة. والأرجح أن المقصود في هذا الموعد ليس الجانب العربي، بل الإسرائيلي المنهمك بمشاورات تشكيل حكومة نتنياهو الخامسة، والمتوقع الانتهاء منها منتصف شهر حزيران المقبل.
الأردن وفي خطوة ذكية لم ينتظر انقضاء شهر رمضان ليعلن موقفه، فقد بدأت مبكرا دبلوماسية نشطة قادها الملك عبدالله الثاني لشرح الموقف الأردني والعربي وتأكيد الثوابت، قبل أن يقدم الجانب الأميركي خطته، لتكريس أمرين أساسيين، الأول تثبيت الموقف الأردني أمام الرأي العام الأردني والفلسطيني والعربي، والثاني، محاولة التأثير على الموقف الأميركي للأخذ بمبادئ الحل العادل في أي خطة سلام مقترحة.
الهدف الأول تحقق، لكن الثاني محل اختبار بعد رمضان، وثمة شكوك كبيرة بنوايا واشنطن حيال هذه المبادئ.
الأهم إذا سيأتي بعد رمضان، وإن كان هناك من تحركات محتملة في الشهر الفضيل فهى لمزيد من الدعم للموقف الرسمي الأردني الذي يتطابق تماما مع الموقف الشعبي، لمواجهة الاحتمالات كافة بعد العيد، وتصليب الجبهة الداخلية لعبور استحقاقات صعبة.
الأردنيون في مواجهة التحديات الكبرى، عادة ما يضعون التفاصيل اليومية جانبا، ويتوحدون خلف القيادة السياسية لاجتياز المرحلة. لقد تكرر مثل هذا الأمر مرات كثيرة في تاريخنا السياسي الطويل، ولن يختلف المشهد أبدا هذه المرة، فلا تخافوا من الشارع.
الغد