فساد يعيد للذاكرة العام 2004
د.محمد المومني
19-09-2009 01:42 AM
شكل العام 2004 اخطر محطات تردي حال الشفافية في الاردن وانتشار الفساد وقد قلنا وقتها ان الاردن سيحتاج سنوات طويلة لاصلاح الضرر الذي لحق بمسموعاته من جرار الانفلات في تلك المرحلة، والتي كان اخطر ما فيها تعطل مجسات الدولة السياسية ودخولها في دائرة الفساد ما حدى بصانع القرار ان يسمع عن ما يحدث بالبلد من الصحافة العالمية والدبلوماسية الصديقة. المرحلة تميزت بسواد ثقافة الفساد واعتبارها فهلوة وشطارة وتراكض المسؤولين للتشبيك مع المال وخدمته ما حدى بالصغار والفسدة من رجال الاعمال ان يتحدثوا عن مسؤوليين سياديين في البلد وكأنهم سائقون يعملون عندهم، وكان هؤلاء لا يتورعوا بالحديث عن "الضوء الاخضر" الذي حصلوا عليه من صانع القرار في محاولة لاملاء اجندتهم على رؤساء وزارات. تبجح وصلف هؤلاء لقي طريقه للصحافة العالمية في عدد من المقالات كان اشهرها مقال في مجلة (The Nation) بعنوان مملكة الفساد. هذه المرحلة المنحدرة جدا ادت بمسموعات الفساد لتكون حديث العامة قبل النخبة وولدت احتقانا وفجوة بين الدولة والمجتمع لا نزال نحاول السيطرة عليها الى الان.
ملامح هذه المرحلة تطل علينا برأسها من جديد كنتيجة مباشرة لقرار الدولة آنذاك (اي العام 2004) الاكتفاء بإبعاد الفاسدين فقط والتعايش من ما جرى وعدم مراجعته ومحاسبة المتسببين به، ما عزز من فرضية ان الدولة قد تكون متورطة لاعلى رأسها بالفساد. نرى عودة غير مرحب بها للفاسدين الذين كانوا ولا زالوا عنوانا للفساد والافساد ونرى بعض المتقاعدين السياسيين متواطئين معهم ورضوا لنفسهم ان يكونوا صبابين "قهوة" عندهم، والاخطر ان الدولة وتحت ذريعة "عدم التدخل" ترى الفساد وتغمض عنه العين ما يجعلنا نترحم على مسؤولين سابقين تمكنوا من حصار المفسدين وتعريتهم.
مؤسسات الدولة ملزمة قانونيا وسياسيا واخلاقيا وتاريخيا ان تتدخل لمنع الفساد وان توظف ادواتها السياسية لتعرية المفسدين اصحاب نظريات "كل شيء بصير بالمصاري" و"كل شيء للبيع" و "لكل مسؤول اردني ثمن". الحكومة ايضا معنية ان تستمر بالحساسية الشديدة لكل ما من شأنه ان يفسر على انه فساد، واذا صح ما يقال عن ليونتها خاصة في ملف مصفاة البترول فإنها ستخسر آهم ميزة ابقت كثيرين في حالة دفاع مستمر عنها. والمعنيّ الاخر فيما يحدث هو مجلس النواب، وعلى الاحرار والرجال من نوابنا ان يقودوا نقاش الرأي العام حول الفساد وان يلفثوا من بين صفوفهم نواب آخرون استمرؤا الدفاع عن الفساد وبعض الشركات بكل صلف وانحدار بحجة دعم المستثمر الاردني!
هذا البلد بني على مسموعات انسانه النظيف صاحب المصداقية والالتزام والشيم والكرامة التي تعلوا جبينه، ومن لا يعلم ذلك من القادمون السياسيون الجدد فعليه ان يدرس تاريخنا بشكل ادق. هذا البلد وضع مدراء مؤسسات سيادية سابقين في السجن لانهم اخلوا بمعادلة الشفافية، فما بالنا الان نتوجس من زج من لا يختلف اردنيان على فسادهم بالسجن معطين بذلك مصداقية لمقولة ان الدولة الاردنية متعايشة مع الفساد او فاسدة او انها اضعف من ان تتعامل مع الفسدة الذين ليسوا من ذوي العلوة منا.
جيوب الفساد وعنوانه معروفان لصغارنا قبل كبارنا ولا بد من التعامل معه بحزم وعلانية وبإقل من ذلك فسيكون صعبا على الدولة الاردنية ان تنظر الرأي العام بعينه وتطلب منه تفهم اية استحقاقات سياسية اقليمية نراها قادمة لا محالة. الفجوة بين الدولة والمجتمع سببها الفساد الذي استنزف رصيد الدولة وهيبتها ولن يمضي وقت طويل حتى يعود ذلك ليصبح حديث العامة والمجتمع الدولي عن الاردن ما لم يتم التعامل مع الفسدة بحزم.
mohamed.momani@alghad.jo
نقلا عن الغد