تسير الدول بإستمرار نحو إعادة تقييم سنِّ التقاعد وفق معادلة من طرفين ، الأول عبء صندوق التقاعد و نموّه و الثاني قدرات الموظف الصحية و المعرفية اللازمة لإشغال الوظيفة أو إنتهاء خدمته فيها .
و الحقيقة أن النتيجة الطبيعية لمثل هذه التقييمات هي الصعود بسنّ التقاعد إلى الأعلى نظراً لتطور الواقع الصحّي وكذلك الحاجات و الإستحقاقات العائلية كالتعليم و الزواج و التي بات معظمها يتركز بعد التقاعد بخلاف السابق و الذي كان ينهي فيه المتقاعد معظمها أو يوشك أن ينتهي منها قبل بلوغ سنّ السّتّين .
و قد شرعت بريطانيا برفع سن التقاعد تدريجياً و في هدفها أن يكون ( ٧٠ ) عام بعد عقدين من الزمان ، كما أن متوسطه - المعدل - يبلغ لدى معظم دول العالم حاليّاً ( ٦٣ ) حيث يبلغ لدى معظم دول الإتحاد الأوروبي ( ٦٥ ) و ينخفض لدى دول العالم الثالث حتى الـ ( ٦٠ ) ، أي أنّ أثره واضحٌ على مسيرة الإنتاج بعلاقة طرديّةٍ واضحة و متبادلة .
و مما يسهم في ضرورة البحث عن السنّ الأنسب للتقاعد هو سعة الشريحة التي تتقاعد في سنٍّ صغيرٍ نسبيّاً و التي أُلحقت مستحقاتها بصندوق التقاعد المركزيّ كمنتسبي القطاع العسكري الذين تنتهي خدمات معظمهم بمرور ٢٠ عامٍ - و هذه مدد قصيرة بلا شك - ، و الأهمّ إرتفاع نسبة طالبي التقاعد المبكِّر من الشريحة المدنية إستثناءً على الأصل .
و لا يخفى على الكثيرين ممارسة نسبة واسعة من المتقاعدين باكراً للتجارة بأسماء أصولهم أو فروعهم في ذات الوقت الذي يتقاضون فيه رواتب تقاعدية ، ما يخالف فلسفة التقاعد القائمة على ضمان ( الأمان الإجتماعي ) لا ( الإثراء ) على حساب الخزينة أو مدخرات المواطنين بعبارة أدقّ .
و من الإيجابيات التي يحققها رفع سنّ التقاعد ما توفره الخبرات المتراكمة لدى الفئات التي قطعت أشواطاً طويلة في مسيرة العمل العامّ ، ما يتيح الإستفادة منهم في الأدوار الأقرب إلى الإستشارية و التوجيهية .
أمّا عن تأثير الرفع على نسب البطالة و التشغيل فهو في حدوده الدنيا ، حيث أن الوظائف الممكن فتحها لقاء التقاعد لا تشكل نسبة مهمة كما أن ذلك يؤدي حتماً لزيادة العبء على الدولة براتبٍ تقاعديّ و آخر لموظفٍّ مستجدّ لا سيما في حالة التقاعد المبكر .
يحتاج الأمر لدراسات إكتوارية أكثر شمولاً تعيد النظر في سنِّ التقاعد بشقيه الطبيعيّ و المبكّر ، مع الحفاظ على الحقوق المكتسبة و مبدأ إستقرار المعاملات ، بحيث تكون متوسطة و طويلة المدى تراعي كل ما ذُكِر أعلاه من متطلباتٍ و أولويّات ، بالإضافة لإعادة تقييم نسب الإعتلال و آثارها المالية و الوظيفية اللاحقة للتقاعد .