عليك الا تستغرب ابدا من هذا الذي يجري في العالم العربي، اذ كلما سقط رئيس دولة، كان اول اكتشاف يتم اكتشافه، وجود مئات ملايين الدولارات، في خزائن سرية في منزله، او في مخابئ سرية، من القذافي، الذين وجدوا مئات ملايين الدولارات والعملات المختلفة في قصوره، وصولا الى البشير وخزائنه السرية أيضا.
هؤلاء ليسوا زعماء دول، بقدر كونهم زعماء عصابات او ميليشيات، لان رئيس الدولة من المفترض ان ينفق وفقا لصلاحياته وعلى أسس من الشفافية، هذا على افتراض ان من حقه ان ينفق، أصلا، غير مخصصاته، او راتبه، ونذكر معا، كيف اقام البريطانيون، الدنيا، ولم يقعدوها، على ماكينة قهوة، في مكتب رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، ظهرت في احدى الصور، فاضطرت رئاسة الحكومة، ان تنشر فاتورة تثبت انه اشتراها من راتبه، وليس على نفقة الحكومة !.
القصص التي سمعناها، عن القذافي، والبشير، وغيرهما من زعماء تمت الإطاحة بهم، بينها عوامل مشتركة، إذ إن اغلبهم وصلوا الى السلطة عبر انقلابات عسكرية، او عبر جيوش بلادهم، مثلما ان اغلبهم طرحوا شعارات ثورية، وكانوا اول من خالفها، عبر صناعة البطانات الفاسدة، وعبر تهريب الأموال الى الخارج، وسرقة موارد بلادهم، ثم سيطرة قالب رئيس العصابة، على قالب رئيس الدولة، بحيث لا يأمن على المال، في مصارف بلاده، فيحصل على مئات الملايين من الدولارات، ويضعها في مخابئ سرية، وكأنه منذ البداية يستعد للهرب، ويدرك حاجته للسيولة، او انه يعتقد انه الوالي، فيوزع صرر المال، يمينا ويسارا، دون ان يسأله احد.
لقد تعب العرب، من كل هذه النماذج، وكلما راهنوا على زعيم ما، تسبب لهم بهزيمة قومية في حرب، او انتهك حقوقهم، او سرق مالهم، ويأتيك من يقول لك، ان الحاكم، انعكاس لطبيعة الشعب، وان كل شعب يستحق الحاكم الذي يناسبه، او الذي يشبهه، وهذا كلام يراد منه، منح الظالمين حصانة عبر نسبهم الى عامة الناس، بدلا من محاسبتهم، ووقفهم عند حدهم وحدودهم، التي يقفزون عنها ليل نهار بطرق مختلفة.
يفرح الليبيون والسودانيون، بهذه الانتصارات، أي اكتشاف أموال في خزائن سرية، دلالة على فساد هذا الزعيم او ذاك، لكن السؤال الأهم، يتعلق بالوقت الذي احتاجه الشعب الليبي او السوداني، حتى يقول للحاكم، كفى، وهو يرى تبديد ما هو اهم، أي مليارات الدولة، وثرواتها، عبر النهب والفساد وسوء الإدارة، والتورط في الحروب والصراعات، ولحظتها يكون السؤال جديرا بالبحث عن جواب، اذا ما كانت هذه الفرحة ناقصة، ام طبيعية، ام تعبر في جوهرها عن الحال المائل لكثيرين، احتفوا بمئات الملايين، بعد ان سكتوا على نهب مئات المليارات في بلادهم ؟.
لماذا لا تجد الشعوب العربية طريقها، نحو دول المؤسسات، والزعماء الذين لا تستولي عليهم شهوة المال، والسلطة، وكأن هذا الكائن العربي، نادر الوجود، وبحاجة الى لحظة ولادة تاريخية، تتوافق فيها كواكب الحظ، مع مواسم الخير، على خط فلكي واحد، ولربما الادهى والامر، ان كل حاكم يسقط، يكون قبل سقوطه قد زرع بذور سقوط ما بعده، وفناء شعبه، وكأنه يريد ان يترحم الناس عليه باعتبار ان المقارنة هنا بين ظالم وآخر اشد ظلما، بدلا من ظالم، وآخر عادل؟!.
الأهم هنا، ان نماذج لحكام عرب سقطوا، مثل القذافي ليبيا، والبشير في السودان، وعلي عبدالله صالح في اليمن، وغيرهم، كشفت ان البنية السياسية واحدة، تقريبا، برغم ان برامج وشعارات هؤلاء الثلاثة، مثلا، مختلفة، ومتناقضة أيضا، لكن المشترك بينهم، كبير وغالب، وكأننا امام استعصاء تاريخي، لان الكل يبنون أنظمة موالية لهم، وحين يسقطون يسقط كل من حولهم وحواليهم، بذات الطريقة، فلا انتقال طبيعيا للسلطة، ولا مؤسسات، والمستقبل اشد مرارة من الحاضر والماضي.
ثم يبقى السؤال عن مشاعر الزعيم، هذا او ذاك، الذي كان ينام وتحت سريره، كنز من مئات ملايين الدولارات، على طريقة بعض جداتنا اللواتي كن يضعن المال القليل، تحت الوسادة، او حتى فيها، فيما شعوبهم، تعاني من الفقر والجوع، والاذلال اليومي، فلا يجد الزعماء، حلا لشعوبهم، سوى تبشيرهم بعوض رب العالمين، في الجنة؟!.
الغد