من حسن حظ الأردنيين عند الله جل في علاه , أنهم وكابرا عن كابر , قوميون أكثر مما هم وطنيون , فهم يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة , ومن سوء حظهم عند بعض بني قومهم , أنهم ومعهم عرب آخرون كخبز الشعير مأكولون مذمومون , لا بل وملحهم عذب في مذاق هؤلاء , مع أنهم لا يعرفون " البوقة " ولم يكونوا يوما" بواقين !
كان الأردنيون وما زالوا في طليعة جند ثورة العرب الكبرى ضد الظلم والذل , وهم أول من بايعوا قائد الثورة الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه ومثواه , بالخلافة , خليفة لسائر المسلمين . والوثائق التاريخية التي تنطق بذلك موجودة منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي , ويشرفني أن والدي رحمه الله كان أحد أولئك المبايعين في مدينة السلط نيابة عن عشيرته وقبيلته .
وكان الأردنيون هم أول من لبى نداء الملك المؤسس لإمارتهم فمملكتهم لاحقا , الملك عبدالله الأول رحمه الله , وسرجوا خيولهم وحملوا بنادقهم للقتال في سورية الشقيقة ضد المستعمر الفرنسي , حتى جاءتهم الأنباء بأن فرنسا قد بدأت الرحيل عن سورية الشقيقة .
كان الأردنيون في طليعة من دعموا وناصروا حكم الملك الهاشمي فيصل رحمه الله , في العراق , في إطار سعيهم النضالي الشريف لإقامة الدولة العربية الكبرى بريادة آل هاشم الكرام, والذين إختارهم أحرار العرب لقيادة الثورة ضد الظلم والقهر , وجهزوا أنفسهم للقتال ضد من ثاروا ظلما على مملكة الهاشميين في العراق, وإرتكبوا بحقهم من الجرائم والمجازر ما تقشعر له الأبدان , حتى طلب منهم الملك الراحل الحسين بحكمته رحمه الله , بالتوقف, لأن الظروف لا تحتمل المزيد من المجازر .
وكان الأردنيون وما زالوا ومنذ العام 1936 في طليعة من إنتصروا وينتصرون لقضية فلسطين ثوارا مناضلين وجيوشا مقاتلين , وخاضوا كل الحروب على ثراها الطهور وفي قدسها المباركة أعوام 1948 و1967 وفي جنوب سورية عام 1973 , ثم حرب الإستنزاف فالكرامة , وهم من تحملوا تبعات النكبات والنكسات كلها , وهم من إستقبلوا وإحتضنوا أشقاءهم الفلسطينيين وإقتسموا معهم لقمة العيش والملاذ وشربة الماء , ثم الدولة بكل تفاصيلها , ولم يجد الأشقاء بلدا عربيا يحتضنهم شركاء في الدولة ومواطنين لهم ما للأردنيين وعليهم ما عليهم , كما وجدوا لدى الأردن, لينصهر الشقيقان حقا لا رياء, في شعب واحد مهمته الأولى مقارعة المحتل الغاصب, وتحرير الأرض ورعاية المقدسات , وبالطبع فمواكب الشهداء والجرحى والثكالى هي خير شاهد على صدق ما نقول .
كان الأردنيون أول من إنتصر لثورة الجزائر على بعد المسافات , وليس سرا أن أول قافلة مساعدات عربية وصلت إلى ثورة الجزائر ضد الإستعمار الفرنسي , كانت من الأردن , برغم ضيق ذات اليد وصعوبة ظروف العيش في ذلك الزمان .
وكان الأردنيون أول من دفع بخيرة قواته للحرب إلى جانب سورية الشقيقة عام 1973 ضد العدوان الإسرائيلي, برغم أن دبابات الأشقاء السوريين كانت وصلت إلى مشارف جرش في مسعى لإسقاط دولتنا ونظامنا السياسي قبل ذلك بعامين فقط , خلال الفتنة التي أججها وللأسف عرب وأعداء للعروبة بين جيشنا والمقاومة الفلسطينية على أرضنا الأردنية , والهدف ليس تحرير فلسطين التي كان جيشنا يرابط على حدودها , وإنما إحتلال الأردن وإسقاط دولته ونظامه ! .
وكان الأردن أول من أرسل جنوده للدفاع عن دولة الكويت الشقيقة ضد التهيدات العراقية إبان الستينيات , إنطلاقا من إيماننا بأن السلاح العربي لا يوجه صوب عربي إلا دفاعا عن الدولة والنفس .
وكان الأردنيون وبقيادة الحسين رحمه أول من دعا للحل العربي في قضية إحتلال الكويت والحذر من تبعات فتح الباب للتدخل الأجنبي , فقد أدرك الأردنيون ومليكهم في حينه , مخاطر ذلك التدخل الذي ما زلنا جميعا نحن العرب, ندفع ثمنه الباهظ حتى يومنا هذا .
وكان الأردنيون وبقيادة الحسين رحمه الله , أول من وقف إلى جانب العراق في حربه مع إيران ومنذ اليوم الأول وجهارا نهارا , ولم ينتظر إستبانة رجوح موازين القوة في تلك الحرب ليحدد موقفه لاحقا , وليس سرا أن الحسين هو أول من حذر ومرارا من إنهيار البوابة الشرقية للوطن العربي , أي العراق , مؤكدا أن ذلك سيكون بداية إنهيار النظام الرسمي العربي تباعا , وهو ما يحدث اليوم وبالتتابع .
وكان الأردنيون وبقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ,أول من حذر من تمدد الهلال الشيعي , فقامت قيامة إيران وأعوانها في حينه , ولم نسمع كلمة واحدة من عربي يناصر صدق ما ذهب إليه الملك في حينه .
وكان الأردنيون وبقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني , في طليعة المصرين على بقاء قضية فلسطين في رأس سلم إهتمامات المجتمع الدولي , وقد بذل الملك وما زال جهودا جبارة عبر سائر المنابر العربية والإقليمية والعالمية على هذا الصعيد ونجح وحقق الكثير .
وكان الأردنيون بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني في طليعة من شاركوا في التحالف الدولي ضد الأرهاب , والتحالف العربي ضد تمرد الحوثيين على الشرعية في اليمن , وفي طليعة من سعوا للم شمل العرب وتوحيد كلمتهم ومواقفهم, برغم ما يعاني بلدنا داخليا من مشكلات إقتصادية كبرى تنتج مشكلات أمنية إجتماعية وفقرا لا يطاق .
برغم كل ذلك وغيره كثير جدا جدا على مدى مائة عام هي عمر المملكة , تحاول إسرائيل ومعها بعض أركان الإدارة الأميركية , " لف الحبل " حول عنق الأردن , كي يقبل وخلافا لنواميس الخلق والخليقة كلها , بتصفية القضية الفلسطينية والتخلي عن رعاية المقدسات , وعلى حساب وجوده كدولة وكوطن , وعلى حساب حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق , وعلى حساب معاناتنا ودمائنا وشهدائنا وحروبنا وصبرنا على مدى ثمانين عاما حتى الآن , ولا حول ولا قوة إلا بالله .
هذه ضريبة كبرى يطالب بدفعها من يؤثر قومه على نفسه في دنيا العرب , وهي ضريبة لن ندفعها بعون الله إلا إذا كنا تحت الثرى , فالغاصبون المحتلون لا شك زائلون في لحظة ما , وكل حرف في تاريخ البشرية ينطق بذلك , وداعموهم في الإدارة ذاتها ودونما قناعة من أحد على هذا الكوكب , لا شك ذاهبون وإلى غير رجعة في غضون بضعة شهور , والله جل جلاله , لن يخذل عباده المظلومين ونحن منهم , بفعل عتاة العصر الذين يتوهمون أن الكون رهن إشارتهم , والمفجع في سلوكهم وأقوالهم , أنهم لا يحترمون عربيا حتى في تصريحاتهم الفجة , فهم يرون أنهم هم من يحموننا وأن علينا بالتالي أن ندفع لهم مقابل حمايتهم المزعومة تلك , تماما كما لو كانوا مرتزقة بأجر.
نعم كان الأردنيون وما شاء الله كان , وذلك تاريخ طويل مشرف أشرت إلى شذرات قليلة منه , لعل الجيل الجديد يعرف شيئا ولو يسيرا عن تضحيات آبائه وأجداده , بإعتبار أن تاريخ الأردن لم يكتب كما يجب ! .
وعليه , نطالب كل عربي منصف محترم , أن يتقي الله فينا وفي بلدنا وفي تضحياتنا نيابة عن كل العرب , وأن يقول الكلمة الحق ويتخذ الموقف الحق بشأن بلدنا الذي يستضيف اليوم أكبر عدد في العالم من اللاجئين العرب المشردين من دورهم وديارهم , وليعلم كل عربي أن أي سوء قد يلحق بنا لا قدر الله , سيكون وبالا على كل العرب بلا إستثناء .
أختم بالقول : إن على الأنظمة الملكية والأميرية العربية جميعها , والتي أثبتت صمودها في وجه الجحيم العربي حتى الآن , أن توحد صفوفها وكلمتها ومواقفها , وأن تحافظ على وفاء شعوبها لها . وبصراحة أكثر , هي مطالبة بأن تتيقن من حقيقة أن رؤوس أوطانها وشعوبها جميعها مطلوبة وبالتتابع , عبر ما يسمى بصفقة القرن المشؤومة , وإسألونا نحن الأردنيين , فنحن الأخبر بمخططات الصهيونية وداعميها التي لو نجحت لا قدر الله , فلن تبقي في دنيا العرب ديارا , فالهدف , نعم الهدف , هو الهيمنة على عالم العرب كله , واحدا تلو الآخر . الللهم قد بلغت , اللهم فأشهد .
حفظ الله الأردن قيادة وشعبا وقوى عسكرية أمنية ومؤسسات , وحيا الله العرب دائما وأبدا , وأجرنا نحن الأردنيين عن واحد أحد لا يخذل عباده المضحين المؤمنين المتشبثين بعروبتهم وبعقيدتهم , وهو سبحانه وتعالى من وراء القصد .