انتفاضة لاستيلاد الفلسطيني الجديد
حسين الرواشدة
23-04-2019 01:12 AM
ما يحدث في عالمنا العربي الان هو اشهار لـ»نكبة ثالثة» بامتياز، وما لم نواجهها بانتفاضة ثالثة فان العدوان سيمر من تحت اقدامنا، وسنورث آثاره ومآسيه لابنائنا واحفادنا، كما فعلنا على امتداد العقود الماضية.
لا اتحدث هنا فقط عن صفقة القرن التي اصبحت واقعا يمشي على الارض، ولا عن «حمّى» التطبيع التي انتشرت في بلداننا مثل النار في الهشيم، وانما عما جرى لنا منذ ثماني سنوات على الاقل ( وهو نتيجة لمسيرتنا في قرن كامل مزدحم بالهزائم والخيبات)، صحيح ان الشعوب العربية آنذاك نهضت لاستعادة حريتها و كرامتها، وصحيح أنها احست في لحظة ان مخاضاتها ربما كانت (حملا كاذبا) أو حلما يتربص به الكثيرون لاجهاضه، لكن الصحيح ايضا ان الذين أسدلوا الستارة في نهاية (الفيلم) قرروا ان يكون العنوان هو ( النكبة)، ليس - فقط - لأن ( النكبات ) ماركات عربية مسجلة وإنما لأنها الوصف الدقيق و التشخيص المناسب لهذه الدراما التاريخية التي كنا نتصور ان بطلها الوحيد هو الشعب، لنكتشف أنه لم يكن أكثر من (كومبرس) ادى ما عليه من دور ثم استقال وتحول الى مجرد ( ضحية).
الان بوسعنا ان نصارح بعضنا اذا كنا صادقين مع انفسنا، نحن امام نكبة جديدة اسوأ مما اصابنا من نكبات، نحن صنعناها بايدينا، ولا يمكن ان نتجاوزها الا اذا خرجنا من «خزانات « الوهم والكذب والتدليس التي اورثتنا هذا الواقع المشؤوم، ليس فقط من خلال تجارب الاستبداد السياسي التي حولتنا الى عبيد، وانما ايضا من خلال منظومات التعليم والتوجيه وانماط التدين المغشوش واصوات النخب الكاذبة وضجيج الشوارع الفارغة وهتافات الاحزاب الصاعدة على جثث المهمشين، هذه التي انتزعت منا «اخلاقنا « وافسدت ضمائرنا واغتالت ارواحنا، هي المسؤولة عما اصابنا من امراض، وما تولد داخلنا من تشوهات واحساس بالهزيمة وعزوف عن التضحية واستعداد غريب لتبادل الضغائن والجهر بالكراهية ورد التحية بالدم بمثلها او بما هو اسوأ منها.
اذا، نحن جميعا في ورطة: الانظمة والحكومات والمجتمعات ايضا، وكأننا ندفع ضريبة العجز والفشل والخوف التي ترتبت علينا على مدى عقود استقلنا فيها تماما من مهماتنا الوطنية والدينية والانسانية، ونكاد اليوم نبدو مكشوفي الظهر امام عالم متوحش، يريد ان يضربنا على ادبارنا، وينتزع منا ادنى مقومات حياتنا، ويعيدنا الى القرون الحجرية. وحده الفلسطيني لم يشهر انتفاضته بعد، فهل نحتاج اليوم الى انتقاضة ثالثة، تقلب كل المعادلات القائمة، نعم، الشعب الفلسطيني - وحده - هو القادر على قلب «الاوراق» وصنع الخيارات ، ربما نحتاج الى التدقيق فيما يترتب على هذا الخيار، بالنسبة لنا من اخطار، ربما يكون الوضع الفلسطيني الان اصعب من اي وقت مضى، ربما تكون اسرائيل نجحت في تأميم الفضاء الفلسطيني بواسطة السلطة التي انتجتها اوسلو، لكن على الرغم من ذلك كله لم يبق امام الفلسطينيين الذين يواجهون نذر نكبة جديد تستهدف تصفية قضيتهم الا انتفاضة جديدة، توحّدهم هذه المرّة بقوة الارادة والحجارة، وتحرج «المتفرجين» والمفاوضين او تكشفهم اكثر مما فعلته حروب غزة وحصارها المستمر.
انتفاضة ثالثة، ولم لا، انها اهم من المصالحة، وافضل وصفة للرد على صفقة القرن، ومروجي التطبيع المجاني مع المحتل، واهم من التفاوض العبثي ومن كل هذا الاستنفار الخطابي للدفاع عن الاقصى، فالاسرائيليون لا يفهمون الا هذه اللغة، والعالم لا يتعامل الا مع الحدث الصارخ، والاشقاء المتصارعون لن يكون بمقدورهم ان يتوحدوا على طاولة «التفاوض» من اجل التصفية، وانما في ميدان الانتفاضة وساحات المواجهة التي يصنعها الاطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيون، الراغبون في الشهادة، والعازفون عن السياسة ومواويلها المخجلة.
انتفاضة ثالثة؟ حتى لو اعتقد الكثيرون بان الفلسطيني قد تعب، وبأن وهم «السكون» سيستمر حتى تصفى القضية وينجح «ترامب» في استيلاد «الفلسطيني» الجديد
الدستور