الاخوان بين خطابين:واحد للمساجد والآخر على الجرائد
حسين الرواشدة
17-09-2009 07:09 AM
لم استطع أن أهرب من المقارنة بين خطابين واظبت على متابعتهما طيلة ايام الشهر الفضيل لإخواننا المسلمين في الجماعة والحزب: احدهما خطاب تردد على ألسنة الكثيرين منهم ممن أتيح لهم فرصة «الخطابة» على المنبر او القاء الدروس والمحاضرات في المساجد وغيرها من المنابر ، ومضمونه يبعث على الاحترام والاعجاب فعلا ، كانوا يتحدثون عن قيم الاسلام وفضائل الاخوة والوحدة ، وأولويات الاصلاح والمراجعة ، ومعاني الصبر والحكمة وأدب الاختلاف ، وكان الجمهور - بالطبع - يتلقى هذه الدروس من اخوانه الخطباء بمزيد من القبول والاحترام.. وكنت اعتقد ان رسائلها قد وصلت وأثرت في النفوس ، والعقول ايضا.
اما الخطاب الآخر ، فكان ميدانيا وعمليا بامتياز ، ولانه من النوع الذي يبث على الهواء مباشرة فقد وصل سريعا الى اكبر قاعدة ممكنة من الناس ، اما مضامينه فكانت مفجعة ومخيبة للآمال: تراشقات بين اخوان الحركة الواحدة ، وصراعات داخلية انتهت الى ازمة غير مسبوقة ، واتهامات متبادلة بين الاجنحة وتلويح بالاستقالات ، ومحاولات للاستئصال والالغاء ، وانها باختصار وتمرين عملي لخطاب معكوس ، يدعو الى التشرذم والاختلاف المذموم ويحض على الفتنة ويتعارض مع قيم الصبر والحكمة والدعوة بالتي هي أحسن ، ويتناقض تماما مع «خطاب» المنابر الذي اشرنا إليه سالفا.
الناس في العادة ليس لديهم وقت لقراءة الافكار المكتوبة والادبيات وسير التاريخ ، واقتناعهم «بالنظر» وبما يقال يبقى ناقصا ، ما لم يكتمل «بالفعل» والممارسة ، انهم يتفاعلون مع الحدث الذي يتحرك امامهم اكثر مما يتفاعلون مع «الخطب» التي يسمعونها ، أوليس الاقتناع بحاجة الى برهان «قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين» ، وهذا ما حدث فعلا لمن شاء مضطرا ان يقارن بين خطاب الدعاة من اخواننا في الحركة على المنابر ، وبين خطابهم على «صفحات» الجرائد ، واعتقد انها كانت مقارنة مشروعة ، خسر فيها الدعاة اكثر مما ربحوا ، وخسرت فيها الدعوة والحركة أكثر مما ظن اخواننا الحريصون عليهما.
كنت أتمني ان يكون شهر رمضان الفضيل مناسبة للقاء القلوب ، وصيام الألسن عن التصريحات والتسريبات التي تفرق ولا تجمع ، وكنت اقول في نفسي: ألم يستمر اخواننا - في هذا الشهر تحديدا - لاعطائنا ما يلزم من دروس ومواعظ عن مقاصد الصيام ، وما يفعله في نفوسنا من انضباط وعدم تسرع ، ومن حب وألفه ، ومن قوة ارادة ، واحساس بالمسؤولية وتحرر من شهوات النفس وأهوائها ، فلماذا لم يطبقوها على أنفسهم اولا ، ولماذا سقطوا في هذا الامتحان الذي يريدون منا ان ننجح فيه ، ولماذا هذا التناقض بين خطابي الدعوة للناس والممارسة في الميدان ، هل هو الانفصام النكد الذي جعل اقوالنا في وادْ.. وأفعالنا في وادْ آخر..
يا اخواننا الاعزاء: ان كان الناس مطالبون بالالتزام بقيم الاسلام ، وقيم الصيام ، فأنتم الاولى ان تلتزموا بهما ، وان كان المتعاطفون مع دعوتكم مدعوون للدفاع عنها ، فأنتم الاولى ان تحافظوا عليها ، وتحموها ممن ينتسبون إليها ، وان كانت المنابر التي تشتكون من تغيبكم عنها شاهدا على دعوتكم الناس بالتي هي احسن ، فإن «ميدانكم» الذي تمارسون فيه الدعوة والسياسة شاهد على «أزمتكم» التي لا بدّ ان تجتهدوا للخروج منها.
الناس يحكمون عليكم مما تفعلون ، لا مما تقولون ، فاختاروا لدعوتكم الحكم الذي تريدون ، وأسألوا انفسكم على ماذا تختلفون: على الدنيا ام على الآخرة؟
سؤال التناقض بين خطاب المساجد وخطاب الجرائد ، أو بين خطاب الحناجر وخطاب الخناجر يحتاج منكم الى اجابة ، كما ان سؤال النموذج للعمل الدعوي والممارسة السياسية للاسلام الذي تتحدثون باسمه يحتاج الى حسم ، فإما ان يقتنع الناس بما تقولون وبما تمارسون.. واما ان يبحثوا عن آخرين ، «وان تتلوا يستبدل غيركم ثم لا يكونوا امثالكم» صدق الله العظيم.