بوسعنا الان ان نقول بصراحة، ثمة من يريد ان يعبث في «نواميسنا» الوطنية ويحرك اسوأ ما في الناس من مشاعر لاتهامهم واستفزازهم وحرف بوصلتهم الحقيقية، وثمة من يحاول الدخول على خط علاقة الناس ببعضهم وعلاقتهم مع قيادتهم للاصطياد في المياه الساكنة، وهؤلاء الذين نعرف مواقفهم لا يتحركون بدافع الغيرة على بلدنا، او الانتصار لمصلحة أحد منا، وانما بدافع مصالحهم وحساباتهم فقط، وهي - بالطبع - غير بريئة وان كانت مفهومة في سياق ما وصلت اليه «مناخاتنا» العامة من انحدار، ومن سوء تقدير ومن غياب لصوت العقل والوجدان والخلق الذي يفترض ان يرتفع ليبدد ما نسمعه من اصوات ناشزة واخرى آثمة.
يدرك القارئ الحصيف ما اقصده هنا، فقد انشغلنا على مدى الاسبوع الماضي بـ «حكايات» اشبه ما تكون بقصص «الف ليلة وليلة»، تصلح ان تكون مادة دسمة للقصاصين الذين كان لهم حظوة في حقبة من تاريخنا حين كانت مهمتهم الهاء الناس عن الاخطار التي تهددهم، واشغالهم بالنميمة والاستغراق في الوهم، لكن «قصاصي» بلدنا - للاسف - تحركوا بدوافع اسوأ، ومن منصات غير وطنية، لكي يجلدوا وطنهم، ويخلطوا الاوراق في ربيعه الذي يتمنون ( خاب فالهم) ان يتحول الى خريف.
لا يضير الاردنيين، ان يتهجم عليهم أو يسيء اليهم «قلم» مأجور هناك، او ان تمس قاماتهم الطويلة دعوات تتحرك في الظلام، فقد جربوا ذلك على امتداد تاريخهم الطويل، ومروا به معرضين عما فيه من تفاهات وسفاهات، لكن ما يضيرهم ويجرحهم ان يكون بينهم من تدفعه حساباته الضيقة الى «العبث» في نواميسهم، او استغفالهم وجرح كرامتهم واستفزاز مشاعرهم، يؤلمهم ايضا ان يجدوا انفسهم متهمين في أعز ما يملكونه من قبل «اشباح» يبحثون بينهم عن «اوكار» لهم بعد ان طردوا من مواقعهم، أو يلتمسون حظوة هنا او هناك بعد ان انكشفت «اجنداتهم»، ومصدر الخوف والخطر هنا هو ان «متعهدي» الفتنة في الخارج يكتبون باسمائهم، ويُعرفون بعناوينهم ومواقفهم المشبوهة، فيما «متعهدو» الاثارة في الداخل لا يجرؤون على اشهار اسمائهم، ولا الاعلان عن عناوينهم ومواقفهم، ويتسترون خلف ستار «المصلحة العامة» هذه التي لم يراعوا فيها إلا ولا ذمة.
لا نريد ان نتهم، ولكننا ندعو الى الحذر والانتباه، فالعناوين التي يريد البعض جرنا اليها تبدو مغشوشة تماما، والاجندات التي يحاولون اختزال الناس فيها، للتشكيك بهم وضرب نواياهم واهدافهم، اصبحت مكشوفة ومفهومة.
فالناس في بلادنا يعرفون ماذا يريدون، والى أين يذهبون، وهم ليسوا «قليلي اصل» حتى يتنازلوا عن مبادئهم وقيمهم وعلاقتهم التاريخية مع بلدهم ونظامهم السياسي، ولا طارئين على «التاريخ» حتى يأخذهم غيرهم الى «دكاكين» الوصفات الجاهزة وبضائعها الفاسدة.
لا يسعدنا ابدا أن نرد على السجالات «السوقية» او «الاتهامات» المبتذلة التي تأتينا من عناوين ومراكز مجهولة، ولكننا لا نستطيع ان نبقى صامتين على ما نسمعه من همس هنا او ضجيج هناك، يتداوله بعضنا، بقصد او بدون قصد، للانتقاص من قيمة انجازاتنا او مطالبنا او طموحاتنا، أو لشق صفوف ابناء مجتمعنا الواحد، او لجرنا الى «مصائد» الاستفزاز، ان مشكلتنا ليست مع اولئك «البلطجية» الذين نعرف كيف انقلبوا وتلونوا وقفزوا من فوق السفن الغارقة، وانما مع هؤلاء «البلطجية» الذين يريدون ان «يختطفوا» من بين ايدينا بلادنا وانتماءاتنا، وولاءنا الذي لا يستطيع أحد ان يشكك فيه، ليحافظوا على مكاسبهم ومواقعهم التي سقطوا عليها «بالبرشوت».
عبث في النواميس، تتحمل مسؤوليته نخب ضلت الطريق أو اشخاص اودعوا ضمائرهم في جيوبهم، ولا تحتاج المسألة الى تدقيق فيما يجري وفيما يتغلغل داخل الصدور و الاجندات، فالعنوان الذي تصدر منه الاصوات واضح تماما، و الرسالة لم تعد مشفرة، واللعب على حبال المخاوف مجرد تسديد لفواتير، أو سحوبات جائرة من الارصدة التي ما عادت مقدسة.
الدستور