قال تشرشل ذات قرن: «الحقيقة ثمينة جدا، لذلك يتوجب أن نحميها بسياج من الأكاذيب». انتهى الاقتباس، ولم ينته اليأس من قدرتنا على الوصول الى الحقيقة متجاوزين السياج، لا بل الأسلاك الشائكة المتراكمة والمتداخلة من الأكاذيب المزروعة حولها، بعناية فائقة.
المشكلة لدينا في العالم العربي أننا قمنا فعلا ببناء الأسيجة حول جميع الحقائق- ربما لأننا لم نثق بالحقيقة يوما- لكن الذي حصل معنا اننا لم نعد نفرق بين السياج والحقيقة التي نحميها بداخله، وصار سياج الأكاذيب جزءا من الحقيقة المحمية ، وغدت الحقيقة جزءا من سياج الأكاذيب، ولم يعد بالإمكان التفريق بينهما
لم ينج شيء من الأكاذيب، لكن المشكلة في الأكاذيب انها كانت تبني أسيجتها حول الحقائق لمصالح شخصية لأفراد وشرائح اجتماعية وطبقات ، وهذه كانت تختلف من منطقة الى اخرى، ومن زمن لآخر، مما جعل الأسيجة تتداخل وتتقاطع، بحيث ضاعت الحقيقة تماما عن الجميع.
لذلك نجد تاريخنا العربي المروي يختلف ويتناقض بين مؤلف وآخر وبين منطقة واخرى وبين عقد وآخر وعصر وآخر ، لكأن كل واحد منهم يتحدث عن شعب آخر وعن أزمنة اخرى وأمكنة اخرى . حتى الأديان قمنا بتغليف حقائقها بغابات من الأكاذيب التي تناسب مصالحنا الدنيوية الآنية، ثم تتغير تلك الأكاذيب بتغير تلك المصالح متى ارتأت مصلحتنا ذلك.
ببساطة نحن نعيش في مستنقع من الأكاذيب، صنعناه بأنفسنا، مستنقع مليء بالأعشاب والطفيليات التي تجرنا دوما الى الأسفل ، ناهيك عن الأفاعي والهوام والحشرات التي تفتك بنا دون ان نستطيع منها فكاكا أو هربا، لأننا مقيدون بأكاذيبنا.
قال ونستون تشرتشل ما قاله في بداية المقال، حول سياج الأكاذيب الذي يحمي الحقائق، من اجل مصلحة بلاده ، وبالتالي نجح في حمايتها خلال حربين عالميتين، كان في الأولى وزيرا للحرب وللمستعمرات ، وفي الثانية رئيسا للوزراء.
أما نحن فلم ننجح الا في تضييع الحقيقة تماما ، وتضييع إمبراطوريتنا ، وتحويلنا، من شعوب أنشأت وبنت حضارة انسانية عظيمة، الى شعوب قابلة للاستعمار والاحتلال والهيمنة من قبل الآخرين.
تشرتشل كان يكذب لمصلحة وطنه ، وهناك من يكذب ليدمر أوطانه.
هللويا
الدستور