الغموض الذي احاطت به إدارة ترامب مبادرتها المرتقبة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى جانب تقارير صحفية وتسريبات وتحليلات سياسية، كلها مجتمعة صورت صفقة القرن كما لو أنها نيزك قادم من السماء ليضرب منطقتنا تحديدا ويعيد تشكيل جغرافيتها من جديد.
في أحدث تصريح لأبرز القائمين على الصفقة، جاريد كوشنر وصف فيه المبادرة الأميركية بالمقترح، أي أنها مجموعة من الأفكار التي تحتمل القبول والرفض، وزاد على ذلك بالقول، إن على طرفي النزاع أن يجلسا إلى الطاولة للتفاوض بشأنها بدلا من رفضها مسبقا. وهذا الكلام يعني أن المقترحات الأميركية مطروحة للنقاش والتعديل بموافقة الطرفين.
بمعنى آخر أن الإدارة الأميركية لن تفرض مبادرتها ولن تفاوض على مقترحاتها، لكنها ستترك الأطراف المعنية للتفاوض، وإذا ما تم رفض المقترحات بعد ذلك فالمسؤولية تقع على عاتق الطرفين، والمرجح في هذه الحالة أن تسحب واشنطن يدها من العملية برمتها.
إسرائيل لن تخسر شيئا في حال فشلت صفقة القرن، لأن مشروعها الاستيطاني وخطواتها لفرض الأمر الواقع في فلسطين تمضي إلى الأمام في كل الأحوال.
ومن بين العناوين المنسوبة للمبادرة الأميركية والتي أثارت جدلا وقلقا واسعين، ما تردد عن تبادل أراض على الجبهتين المصرية والأردنية. مبعوث الرئيس الأميركي غرينبلاث نفى بالأمس التقارير التي تفيد بوجود مقترح أميركي باقتطاع أراض من صحراء سيناء المصرية لتوسيع حدود قطاع غزة، وأكد أن الخطة الأميركية لا تتضمن أي إشارة لمثل هذه المقترحات.
أما على الجبهة الأردنية، فمن المستبعد تماما أن يكون موضوع التبادل مع دول مجاورة قد طرح رسميا على الأردن، باستثناء ما يتردد عن مساومات تخص ترتيبات الوضع في الباقورة والغمر التي أعلن الأردن العام الماضي قراره بعدم تجديد اتفاقية تأجيرهما.
ليس مستبعدا أن يكون فريق ترامب الثلاثي قد ناقش مثل هذه الأفكار المجنونة أو استكشفها في محادثاته مع قيادات في المنطقة، لكن من المؤكد أيضا أنه تجاهلها تماما في صياغته النهائية للمبادرة.
الاقتراحات المتعلقة بتبادل الأراضي طرحت من قبل في جميع مراحل التفاوض بين الفلسطينيين وإسرائيل وتقتصر على مناطق الضفة الغربية والأراضي المحتلة العام 48. وفي مرحلة معينة من المفاوضات اقترب الطرفان من الاتفاق في هذا الشأن. لكن مع مرور الوقت تراجعت حكومات اليمين في إسرائيل عن النسب المتفق عليها لتبادل الأراضي. وفي الوقت الحالي تتجه حكومة نتنياهو إلى استبدال فكرة التبادل بالضم الكامل للكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية المحتلة دون مقابل.
إن أي خطة ملزمة للتسوية في الشرق الأوسط تتطلب إجماعا دوليا في مجلس الأمن ودعما كاملا من القوى الكبرى في العالم. وعلى مدار عقود من الصراع كان مطلب العرب الدائم هو ممارسة هذه القوى لدورها ونفوذها لتطبيق قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية. مثل هذا الإجماع مفقود تماما في حالة صفقة القرن ولن تجد واشنطن دولة واحدة تساندها في جهودها لفرض حل غير مقبول على العرب والفلسطينيين، ولهذا فإن مصير الصفقة الأميركية الفشل في نهاية المطاف، وربما قبل أن تولد.
الغد