لماذا لا تكون صفقة القرن عربية الصبغة
فتح رضوان
19-04-2019 12:15 PM
لماذا لا تكون صفقة القرن عربية الصبغة ( ورقة عمل سياسية بمناسبة تقارب أردني قطري ذكي وفي لحظة حاسمة )
تهدف صفقة القرن الامريكية أو خطة نتنياهو لفك عزلة اسرائيل واستكمال المشروع الصهيوني ولكنها في دفع كل تكاليفها وتنازلاتها عربية بالكامل.
لماذا لا نفكر بصفقة القرن بطريقتنا كعرب وخارج الصندق والتابو المقدس الذي نضع أنفسنا فيه دون مبرر ولا نتيجة ومنذ بدء الصراع ولا سيما أنه ليس لعزل اسرائيل معنى طالما أن السلام هو خيار النظام الرسمي العربي الأوحد في التعامل مع إسرائيل ولو علمت الشعوب العربية أن للأنظمة العربية استراتيجية سلام يمكن البناء عليها في التعامل مع الكيان الغاصب لما ترددت هذه الشعوب في قبول هذه الاستراتيجية لحظة واحدة لأن أمتنا تبحث عن حقها بأسهل طريقة ( وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم)، وفي النهاية نحن في التفكير ورب العزة في التدبير.
أولا طريقة تعامل الأنظمة العربية مع إسرائيل وكأن اسرائيل كتلة موحدة خلف قيادة لا يمكن العبث بها ومعها وتشتيتها هي الخطيئة العظمى التي لا يمكن تبريرها لو استطعنا تبرير أن الأنظمة العربية غير قادرة على التعامل مع إسرائيل عسكريا.
كما لا يمكن تبرير جريمة النظام الرسمي العربي بحق الفلسطينيين فهو يحملهم كل تكاليف الاحتلال الذي يعانون ويلاته ليل نهار وعلى مدار الساعة سواء داخل حدود فلسطين أو في التعامل مع فلسطيني الشتات وبالأخص منهم أهل غزة.
ما دخل أمريكا بصفقة القرن إن كانت كل تكاليفها وويلاتها عربية ( لا تأخذوا العبارة بسطحيتها بكل تأكيد) ، فأنا أعلم كما أنتم أن معظم الأنظمة العربية تنظر لأمريكا كإله يحكم الكون من دون الله.
لو قلنا أن النظام الرسمي العربي يحافظ على اسرائيل حفاظا لا تستطيع أن تفعله اسرائيل ذاتها لما جانبنا الحقيقة ولا طرفة عين ، فاسرائيل كيان عنصري، واهن وقابل للاختراق وهذا ما أثبته أصحاب الأرض في مقاومتهم للاحتلال والمفارقة هنا أن خيار اليمين الاسرائيلي العائد بقوة الى واجهة المشهد في اسرائيل هو السلام الاقتصادي ( صفقة القرن) وليس الحرب على عكس قوى الوسط في اسرائيل الأكثر ميلا تاريخيا للحرب واتخاذها وسيلة لإثبات الذات أمام الجمهور الإسرائيلي.
وليس هناك عاقل يستطيع مهما جمح به الخيال أن يتصور أن ال خمسة ملايين إسرائيلي في فلسطين قادرون على ابتلاع ال ٤٠٠ مليون عربي ومن خلفهم مليار ونصف مسلم.
إن عزل إسرائيل ( ظاهريا) ليس شرطا أن يكون إخلاصا لقضية فلسطين ولا سيما أن إسرائيل تقول أن معظم الدول العربية تقيم معها علاقات سرية، وبالتالي تصر بعض الأنظمة العربية على حماية إسرائيل حين لا يترافق عدم التطبيع كما نسميه مع استراتيجية، ونحن وبكل بلاهة نعزل إسرائيل ومعها ملايين من أهل الأرض الأولى بالدعم ولا سيما في حيفا وعكا ويافا وغيرها من أرض فلسطين والتي يريد الصهاينة أن نعتاد على تسميتها بالتاريخية.
هدف هذه المقاربة هي مصالحة بين العرب رسميا وشعبيا في تحقيق ثلاثة أهداف:
- أولا : إعطاء فرصة لإسرائيل للاندماج في المنطقة كما تريد أمريكا والنظام العالمي كله من خلف الستار مع تقديس حق صاحب الأرض في مقاومة الاحتلال وتعزيزه بكل وسائل الصمود من خلال السلام الاقتصادي الذي يريده نتنياهو وأمريكا ( ولكن كاستدراك حتى لا يُساء فهمي، التاريخ سيعيد نفسه فلا تخافوا، ولن تحافظ إسرائيل ذاتها على صفقة القرن )
-ثانيا: ستتحق المصالحة بين النظام الرسمي العربي والشعوب العربية عندما لا تضطر االأنظمة العربية لوسائل إخضاع الشعب العربي والفلسطيني تحديدا لرغبات أمريكا وإسرائيل الجامحة وغير القابلة للتحقيق ويتفق معنا في هذه المسألة كل العالم بِما فيه بريطانبا التي أقامت إسرائيل ويالتالي نحن نحقق حلا مستداما ستوافق عليه كل الدول العظمى وسيحقق مصالحها بِمَا في ذلك روسيا والصين.
ثالثا: سنعطي الشعب الفلسطيني الفرصة لتقرير مصيره وذلك بعدم خرق ثوابت الصراع العربي الإسرائيلي،
ونحقق التواصل الفعّال مع أهل الأرض بوسائل وأدوات صفقة القرن وسيقتنع الجمهور العربي إن رأى الإخلاص وما سيحفز الأنظمة العربية على قبول طرح كهذا أن أمريكا وبالوقائع التي يشهدها الشارع العربي الان لا تستطيع أن تحمي النظام الرسمي العربي من غضب الأربعمائة مليون عربي ومن خلفهم المليار مسلم حتى لو خرج من هؤلاء نسبة ١٪ فقط الى الشارع في حال التفريط رسميا بالقدس وأمريكا ترمب تريد النتيجة ولا يهمها طريقة الوصول وأن تكون الأنظمة العربية في واجهة المشهد فيما يريد ترمب تسويقه علينا وأظن أن كل زعيم عربي أصبح يعتقد اعتقادا جازما أن أمريكا ستتخلى عنه في لحظة الحقيقة فما سيكون عليه الحال حين يتخلى النظام الرسمي العربي عن القدس والأقصى.
ومن أجل مصالحة الشعب العربي مع أنظمته يجب إعادة تعريف كلمتي التطبيع وعدم التطبيع فالتطبيع هو التفريط بفلسطين وأهلها وليس التعامل مع إسرائيل باستراتيجية حتى لو كانت سلمية وحتى لو كانت مشاريع اقتصادية تصنع التكامل مع أهل فلسطين في نهاية المطاف ويجب أن تعني كلمة عدم التطبيع مقاومة إسرائيل بكل الوسائل ضد التمدد على حساب الأرض العربية أما مد الجسور مع فلسطين وأهلها وإن كانت تحت الاحتلال وإدارة الصراع بما يفضح طبيعة الكيان الصهيوني الذي يُميز حتى بين اليهودي العربي واليهودي الغربي وإعطاء فلسطيني الداخل كل وسائل النمو والتطور وتطوير أشكال مقارعة الاحتلال فهو الفعل الذي سيُخضِع اسرائيل لمواجهة واقعها الداخلي المرير وتجنيب العرب الحاجة للسلاح النووي لمواجهتها ككتلة موحدة.
لقد صرح أحد الصهاينة الكبار من مدة ليست بالطويلة أنه يمكن شراء قائد عسكري إسرائيلي بوجبة غداء وهذا التصريح ليس غريبا فهو يعكس ركض المجتمع الإسرائيلي نحو المال بكل الوسائل ولولا أن احتلال فلسطين يحقق جدوى اقتصادية لا يحققها أي مشروع على وجه الأرض لما دعم إسرائيل أحد، لا شرقا ولا غربا فمعظم مصانع السلاح حول العالم تعتاش على هذا الصراع بطريقة مباشرة وغير مباشرة.
اسرائيل ليست في النهاية أكثر من مشروع اقتصادي ناجح جدا ولكن مشكلته التي يدركها حتى أعتى الصهاينة أنه ليس مستداما ولو قدم العرب البديل لمن يسمونهم شعب إسرائيل ما مكثوا هناك كل هذه السنين ولا سيما أن معظم من يقيم على أرض فلسطين من اليهود هم مواطنو دول غربية وقد حفظ لهم الماكر بلفور حقوقهم في البلدان التي خرجوا منها ولا يغريهم بالبقاء في حدود هذا الكيان الغاصب سوى حماية النظام العالمي لهم والمال وإغراءات دخل لا تستطيع أكثر دول العالم توفيره لمواطنيها ونحن نريد هنا وفي أوجه كثيرة تقليد تجربة إنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
وبناء على كل ما سبق فليس ما يتحدثون عنه من صفقة القرن كله سيّء، دعونا ندقق جيدا في الصورة، دعوا الشعب اليهودي يرتبط بالعرب في كل مصالحه دون التنازل عن ثوابتا وعقيدتنا في الصراع ولا سيما توفير الغطاء السياسي للمقاومة الفلسطينية، فليذهب من يستطيع منا للصلاة في الأقصى من كل حدب وصوب ، وجهوا للشعب اليهودي إعلاما ذكيا قادرًا على إفهامهم: إما سلام عادل أو فناء قادم وليست مصلحة الإسرائيليين مع من يريد جعلهم وقود معركة خاسرة بكل مقاييس الدنيا.
فلنجعل صفقة القرن عربية بالكامل وسينبني على ذلك اكتساب فك الحصار عن أهل غزة وفلسطين داخل فلسطين.
أما أهل فلسطين في خارجها وتعقيبا على تسريبات صفقة القرن فهل سيضمن بقاءهم دون أدنى مقومات الحياة في لينان على سبيل المثال تحرير فلسطين، وهل من عاقل يُقنعني أن من يقدّس حدود سايكس بيكو تُهمه القدس أو فلسطين.
إن صبغ الصفقة الأمريكية باستراتيجية تعاطي عربية متكاملة الاركان: سياسيا واقتصاديا وإعلاميا ستضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد:
- مصالحة بين النظام الرسمي العربي وجماهيره بعدم التخلي عن ثوابت الصراع المقدسة.
- استراحة محارب للفلسطينيين.
- تحقيق مطالب أمريكا والنظام العالمي دون تكلفة باهظة لا تستطيع أمريكا والنظام العالمي تحملها وذلك بسقوط النظام الرسمي العربي إن تخلى رسميا عن القدس لا قدر الله، فثقافة الغرب المستكبر تتيح له فهم أن خسارة شيء أفضل من خسارة كل شيء ومن يدري ربما يقبل الغرب خسارة كل الكيان الغاصب الذي سيُصبِح في النهاية تكلفة هائلة على الجميع .