انبثاق "التيار الإصلاحي" في الإخوان: نهاية الصقور والحمائم!
د. محمد أبو رمان
16-09-2009 07:52 AM
في بيان أحمد الكفاوين المقتضب - المهم، الذي نشرته الصحف بالأمس ويلخّص فيه أسباب استقالته وزملائه من المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان، ثمة إعلان ضمني بانبثاق التيار الإصلاحي في الجماعة، من رحم جناح الحمائم والوسط.
في الحقيقة، قصة الصقور والحمائم انتهت منذ سنوات، ولم تعد قائمة فعلياً، ولا تتمحور حولها نواة الخلاف الحالي في الجماعة، لكن حافظنا (في تعاطينا الإعلامي) على هذه التسميات، في محاولة للحدّ من أبعاد الأزمة الداخلية، وتحايُلاً – قدر المستطاع- من تعريف هوية التيار الآخر وأجندته السياسية!
منذ خروج قادة حماس من الأردن في العام 1999، انشق عن التيار الثالث (الوسط) مجموعة جديدة بدأت بالنمو والصعود، أغلبها على علاقة بحركة حماس، جعلت في مقدمة مطالبها "عودة قادة حماس إلى الأردن"، تمكنت في العام 2002 من السيطرة على أغلبية مجلس الشورى، وفقدتها في الانتخابات التنظيمية عام 2006، واستعادت حضورها القيادي بعد الانتخابات المبكرة الأخيرة في العام الماضي.
في العام 2006، بدأت حماس تعلن عن رغبتها بتجاوز الصيغة التنظيمية، التي تربط إخوان الأردن بفلسطين، ما يعني – ضمنياً- نهاية تنظيم بلاد الشام (الذي يجمع الأردن بالضفة الغربية وغزة).
تمخّض عن ذلك الانفصال نظام أساسي جديد للإخوان الفلسطينيين، وجرت انتخابات لشورى حماس ومكتبها التنفيذي (في الخارج وعزة، وتم تعيين أعضاء من الضفة، والتجديد لخالد مشعل باعتباره مراقباً عاماً للإخوان المسلمين الفلسطينيين)، في حين بقي وضع المكاتب الإدارية في الخليج (السعودية، قطر، الكويت والإمارات)، التي كانت تتبع لإخوان الأردن (في مرحلة تنظيم بلاد الشام) معلّقاً في الخلاف بين حماس والإخوان.
إذن، لم تعد المناظرة السياسية الإخوانية اليوم بين صقور (يرفضون الديمقراطية ويكفرون النظام وينتمون لمدرسة سيد قطب) وبين حمائم (يمثلون تياراً معتدلاً براغماتياً في علاقته بالنظام). فهذه "الوصفة" انتهت عملياً منذ سنوات.
يتمحور الخلاف بين تيارين أساسيين. "التيار الإصلاحي" داخل الإخوان (بعد الانفصال التنظيمي مع حماس) يتبنى أجندة تركز على الإصلاح السياسي الداخلي، وعلى دور الجماعة في التنمية الوطنية وفي المجتمع الأردني، وصيغة العلاقة بين الجماعة والجبهة، وبين الجماعة والنظام.
ويؤكد هذا التيار على الهوية السياسية للجماعة باعتبارها "حركة وطنية إسلامية أردنية"، تتعاطف مع حركة حماس وتدعمها، لكنها مستقلة تماماً عنها. ولا يوافق هذا التيار على أي ازدواجية تنظيمية، ويدفع باتجاه نظام أساسي جديد للجماعة يؤكد ثوابتها الوطنية والتاريخية، ويأخذ بالاعتبار التطورات الجديدة.
أمّا التيار الآخر فتقوم أجندته، اليوم، على التماهي مع مواقف حماس، وعلى منح الاعتبارات الإقليمية الأولية، في تحديد إحداثيات الجماعة الداخلية، وضمنياً على تعريف الإخوان باعتبارهم "حركة إسلامية تمثل الأردنيين من أصول فلسطينية"، أي تشكل امتداداً ونفوذاً تنظيمياً وسياسياً لحركة حماس، والتداخل بين الساحتين الأردنية والفلسطينية، ويقع موقف هذا التيار من قرار فك الارتباط بين الضفتين في المنطقة الرمادية.
اليوم، بين يدينا وثائق مهمة، تكشف عن انبثاق التيار الإصلاحي وخطه الوطني وأجندته، منها الاستقالة المسببة للمكتب التنفيذي، بيان الكفاوين، وكذلك رسالة أعضاء التيار إلى رئيس مجلس الشورى في جماعة الإخوان عبد اللطيف عربيات حول الأزمة والعلاقة مع حماس، والحوار الذي أجرته الغد مع رحيل غرايبة حول رؤية الجماعة للإصلاح السياسي.
بالإعلان عن انبثاق التيار الإصلاحي يخطو المعتدلون خطوة كبيرة للأمام، ويصوّبون بدقة مواضع الخلاف، ويضعون الجماعة أمام استحقاق الإجابة عن تساؤلات جوهرية، بخاصة مع المعلومات التي تفيد بانشقاق سبعة من أعضاء الجناح الآخر، في مجلس الشورى، وسعيهم لتلمس الأسباب الحقيقية للأزمة.
مخرجات عن الأزمة الإخوانية الحالية ستحدد مستقبل الجماعة ووضعها القانوني والسياسي، وسياسات الدولة تجاهها.
ما يزال الرهان قائماً على مهمة تاريخية (حاسمة) لخالد مشعل، بعد حديثه المتوازن في عمان، ينهي فيها أي صيغة تنظيمية لحماس في إخوان الأردن، ويُعزِّز من مصداقية خطابه في نوايا حركته تجاه الأردن ويقطع الطريق على خصوم الحركة الإسلامية والمتربصين بها.
الغد.