صفقة القرن والخيارات الأردنية
د. صبري ربيحات
19-04-2019 12:27 AM
الحديث الذي أدلى به الدكتور عبدالله العكايلة رئيس كتلة الاصلاح النيابية في اعقاب اللقاء مع جلالة الملك صريح ومباشر ويحمل في طياته الكثير من المقترحات والافكار التي تلقى قبولا شعبيا وتستجيب لمطالب الشارع الأردني وتحرر الإرادة الأردنية من الخوف والتردد والاحساس بالقهر، إلا أن التطبيق له يحتاج الى استدارة سياسية وتحول فكري وأيديولوجي وامكانات اقتصادية وسياسية قد لا تكون متوفرة في هذه اللحظة من تاريخ الأردن والمنطقة والعالم.
منذ أشهر والأردن يعيش حالة من الحراك السياسي الداخلي والخارجي. فالملك يجتمع بصورة دورية مع الكتل النيابية ومن تولوا مواقع ادارية في الدولة وبعض الكتاب والاعلاميين والعشائر فيستمع الى همومهم ومقترحاتهم ويعبر عن رفضه للقرارات التي اتخذتها الادارة الأميركية حول القدس والجولان وغضبه من تعديات الاحتلال على حرمة الاقصى والمقدسات.
بالرغم من معرفة الجميع بوجود خطة أميركية صهيونية تنال من الحقوق العربية واعتداءات اسرائيلية على المقدسات الواقعة تحت الوصاية الهاشمية الا ان الناس في الشارع الأردني لا يعرفون الكثير عن تفاصيل الخطة ونوعية ومستوى التهديدات، كما يجهل الناس الاستراتيجيات والخطط والسياسات التي اعدتها الدولة لمواجهة هذه الخطط والوقوف في وجهها.
التهديدات التي تحملها الخطة والاجراءات السابقة واللاحقة لإعلانها متعددة وكارثية فهي تنال الدولة والنظام والهوية وتلغي الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بالأرض والسيادة والوجود وتعبر عن استشراء النزعة التوسعية لدى الكيان الصهيوني الذي يزداد شراسة وتطرفا.
الخيارات المطروحة للوقوف في وجه التعنت الأميركي محدودة وتفتقر الى الحلفاء والمناصرين. للكثير من الخبراء يبدو الصمود الفلسطيني وتلاحم الجبهة الداخلية خيارا ممكنا وآمنا، لكن ذلك يحتاج الى اكثر من المشاعر والخطابات فهناك حاجة الى اصلاحات جوهرية في السياسة والاقتصاد والادارة تعالج الاختلالات التي اضعفت ثقة المواطن بالدولة والمؤسسات. وعلى الساحة الفلسطينية يصعب على اي جهة اجبار الفلسطينيين على القبول بتسوية لا تلبي طموحات الشعب وتنسجم مع الشرعية الدولية.
الى جانب الخيار المحلي المحافظ يجد خيار المواجهة السياسية تأييدا شعبيا واسعا. فعلى لسان رئيس كتلة الاصلاح النيابية يمكن للأردن ان يقود حملة عالمية تسهم فيها الدول الرافضة للمشروع الأميركي وتؤيدها اوروبا وروسيا والصين اضافة الى اندونيسيا وقطر وتركيا وماليزيا والباكستان ومن رغب من الاقطار العربية. خيار المواجهة السياسية خيار مهم وفعال لكنه يحتاج الى تنسيق عميق ويتطلب استدارة سياسية وتغييرا في التحالفات الاقليمية والعالمية مما قد يستفز الادارة الاميركية وحلفاءها الذين يحاولون استعداء كل ما هو اسلامي.
ايا كانت الخيارات التي سيتخذها الأردن فهناك العديد من القيود والمحددات التي تجعل منها امرا صعبا ومكلفا يحمل الكثير من المخاطر والتهديدات الاضافية فالعلاقة مع الولايات المتحدة قديمة وعميقة واستراتيجية قدمت من خلالها الولايات المتحدة الحماية والدعم والتأييد للأردن، وقف خلالها الأردن في وجه المد الشيوعي وتبنى سياسات معتدلة في الاقليم وشكل شريكا موثوقا في الحرب على الارهاب . خلال العقود الستة الماضية تحملت العلاقة هزات سياسية كادت ان تعصف بها إلا أنها استعادت عافيتها فهل تستطيع العلاقة تحمل مثل هذه الأزمة الصامتة. في لقاء الملك مع نائب الرئيس الأميركي بنس في عمان وبعد تعقيب جلالته على قرار الإدارة الأميركية حول سيادة اسرائيل على القدس اتفق الطرفان على حق الأردن في الاختلاف مع الولايات المتحدة فهل سيبقى هذا الاتفاق قائما؟
العلاقة الأردنية الأميركية كانت وبقيت استراتيجية للاطراف حيث يحتل الأردن المرتبة الثانية بين الدول التي تتلقى المعونات الأميركية بعد اسرائيل اذا ما حسبت نسبة المساعدة لحجم السكان.
في اللقاءات التي نظمها الديوان الملكي مع الساسة والاحزاب والكتل البرلمانية هناك حديث مشبع بالدفء والمصارحة والتأييد. المشكلة ان الحديث والمشاعر والرغبة في العمل لا تجد منافذ لترجمتها والتعبير عنها، فلا توجد منابر حزبية مؤثرة والحكومة منشغلة بالقضايا والهموم الاقتصادية والازمات.
في وسط كل ذلك يبقى تمتين الجبهة الداخلية واجراء الاصلاحات السياسية الاقتصادية الضرورية امرا ضروريا للحد من فرص الاختراق وتجنب المخاطر التي قد تعصف بالدولة والهوية والنظام.
الغد