العنوان أعلاه مثل شعبي أردني دارج سمعته كثيرا من أهل الخبرة والحكمة من أقاربي قبيلة " عباد " الموقرة, وسواهم ممن عركتهم السنون وعلمتهم الكثير من أسرارها وسبل حسن التصرف في التعامل مع شؤونها .
المقصود بهذا القول الحكيم , هو أن تبادل الحديث بين الرجال وجها لوجه حول أمر ما , يمنح المتحدثين ميزة معرفة ما تخبيء صدور الرجال عبر التدقيق في عيون المتحدثين منهم , والتي تعطي الإنطباع عن مدى جدية المتحدث في ما يقول , وحتى عن حجم المشاعر التي تخالط وجدانه الإنساني سلبا أو إيجابيا , مهما حاول ممارسة " دبلوماسية الطرح " في حديثه ! .
وببساطة , فالناس يتبادلون الحديث عبر الهاتف مثلا , وفجأة , يبادر أحدهم بالقول , لا , هذه قضية أو مسألة لا يمكن حلها عبر الهاتف , ولا بد من أن نلتقي لنناقشها . وطبعا هذا دليل على وجاهة وعمق دلالات الحكمة أعلاه , وهو أن لقاء العيون بالعيون في الحديث مواجهة , هو أكثر أثرا وتأثيرا إيجابيا في التوصل إلى حلول وإتفاقات حول أية مسائل خلافية مثلا , وبمجرد اللقاء , يمكن للخصم أن يتحول وفورا إلى صديق , ولمن يحمل إنطباعا سيئا أن يخرج بإنطباع حسن وحتى جميل .
وببساطة أكثر , فرؤساء الدول يتبادلون الزيارات الرسمية للبحث في قضايا تهم بلدانهم , في الوقت الذي يمكنهم ممارسة هذا البحث عبر الهاتف , فضلا عما توفره تكنولوجيا اليوم من تبادل الحديث بوسائل متقدمة جدا , إلا أن اللقاء وجها لوجه , يبقى هو الأكثر عمقا وتحقيقا للنتائج المرجوة , عندما تلتقي العيون بالعيون , لتجسد حقيقة أن عيون الرجال مغاريف الحكي فعلا , إذ النظر إليها مباشرة , يمنح كل طرف فرصة قول أمور ما كان يمكن تذكر قولها لو كان الحديث هاتفيا أو من وراء حجاب أو حتى عبر طرف ثالث .
مناسبة هذا المقال متشعبة , أولها يتعلق بشؤوننا الداخلية وحاجتنا للقناعة بأن عيون الرجال مغاريف الحكي المثمر , والقادر على تغيير قناعات خاطئة سادت طويلا وأسهمت في تأزيم نفوس كثيرة ما كان لها أن تتأزم , وأوجدت عبثا إنطباعات خاطئة ما كان لها أن توجد .
من هنا , فأنا أتمنى صادقا بإذن الله , وبعيدا عن أية مصلحة شخصية خاصة , أن تتاح فرصة التشرف بلقاء حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد وقائد الوطن , لمجموعات طيبة من شعبنا الطيب المتثبث بقيادته وبوطنه , ممن لديها رأي آخر , سواء أكانت مدنية أو عسكرية متقاعدة , لتسمع من جلالته وجها لوجه , ولتبدي هي رأيها بين يدي جلالته أيضا .
جلالة الملك لنا جميعا , ورأيه ورؤيته محط إحترامنا جميعا , وليس منا من لا يبذل أقصى درجات الإحترام لجلالته شخصا ومقاما . أقول هذا وأنا على يقين تام من أن أردنيا واحدا ومن كل طيف ومشرب , لا يمكن أن يشذ أو يخرج عن هذه القاعدة وهذا الثابت أبدا, مهما كان رأيه أو معارضته لنهج حكومة أو حكومات .
نحن على عتبات شهر رمضان المبارك , وهو شهر الرحمة والتسامح والمودة من لدن رب العالمين , وبلدنا يتعرض لتحديات كثيرة ومعاناة صعبة , ولهذا فالوقت مناسب ومحفز لأن لا نترك أردنيا واحدا أو جماعة طيبة ذات رأي مختلف هنا أو هناك , عرضة لأن يجد أعداء الوطن في معارضتها الوازنة للحكومات , مادة إعلامية يضخمونها وربما يفبركونها ولا يتقون الله في تأويلها .
جلالة الملك : كلنا معك , قرية مدينة بادية مخيما وحيثما كنا , مدنيين وعسكريين عاملين ومتقاعدين , وليس بيننا ولن يكون , من قد لا سمح الله يخذلك يوما وتحت أي ظرف كان . ويقينا متى إلتقت العيون بالعيون , فقد إلتقت القلوب بالقلوب , وبلدنا اليوم بحاجتنا جميعا حولك ومع الوطن , لرد العاديات وصد التحديات , وإصلاح شؤون بلدنا بالحوار الوطني الهادف , تحصينا لجبهته الداخلية في مواجهة كل شر وكل شرير أي كان . والله جل جلاله من وراء القصد .
ملحوظة : مغاريف من غرف يغرف , أي كمن يغرف الماء من جدول مثلا , ومغاريف هي جمع مغراف باللغة الدارجة أو مغرافة بالمؤنث .