لأنني اعتدت أن أسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية المجردة والمباشرة منذ طفولتي.. (وقبل أن أكمل لا بد أن أقول إن هذه الصفة سببت لي ما لا يعد من المشاكل.. مع مختار العشيرة (أبو خميس) الذي كان يتدخل في كل شيء إلا فيما يخصني حيث كان يردد: لا تفتحوا علينا حنفية هذا المجنون، وكان بعض شيوخي في المسجد يردد نفس العبارة.. والحق أنني لا أدري من أين اكتسبت هذه الصفة في صغري والتي ما زالت تسبب لي المشاكل مع كل ما حولي من المجاملات والنفاق الاجتماعي والسياسي والنقدي الأدبي خصوصا مع ما تكتبه النساء).المهم .. لأنني كذلك فقد سررت اليوم حين قرأت في صحيفة الخليج مقابلة مع المطرب الإماراتي محمد المازم جاء فيها على لسانه ما يلي:
بعد عشرين عاما قضيتها في الغناء في الحفلات والمهرجانات وجدت أن ما أقدمه للناس أقرب إلى الإسفاف. والغناء بات يركز على الغرام فقط.. كنت بعد كل ألبوم أجلس مع نفسي وأسألها: ما الفائدة التي أوصلتها للناس من الفيديو كليب؟ وأتألم حين أكتشف أن ما نقدمه هو مجرد رقصات وأزياء ومشاهد تبتعد عن فن الغناء كمفهوم.
وختم اللقاء بالكلمات التالية: أرجو أن يقبل الناس اعتذاري عن كل عمل قدمته ولم يفدهم بشيء.. (انتهت الاقتباسات)
وقد ذكرني هذا اللقاء بلقاء آخر قبل سنوات في الصحيفة نفسها مع أحد المغنين الشعبيين المصريين لا أعرف عنه شيئا يدعى عصام كاريكا.. قال فيه حين سأله الصحفي عن تفاهة أغانيه: الحقيقة كنت أعطي اللحن لمطربة تافهة فتحصل منه على مليون جنيه.. فقلت لنفسي: لا.. أنا أولى بالمليون.. خليني أغنيه واللي يحصل يحصل.. وكده بقيت مطرب.. ومشهور والناس بتحبني مع أني ما بقدمش غير التفاهة.. (هكذا بكل بساطة وصراحة)
ولغرامي أنا عاطف علي الفرّاية بمثل هذه الدرجة من المكاشفة فقد سرحت سرحة رأيت فيها نائبا برلمانيا يقول للناس: إذا سولت لي نفسي الترشح ثانية فلا تنتخبوني لأنني اكتشفت أن السنوات الأربع الماضية قضيتها فيما لا يفيدكم.. وأعتذر للذين انتخبوني لأني خدعتهم..
قلبت نظري في زاوية أخرى فرأيت وزيرا يقدم استقالته للناس من شاشة التلفزيون ويقول: أرجو أن تسامحوني لأن كل الخطط الإصلاحية التي حدثتكم عنها فشلت فشلا ذريعا.. وقد اكتشفت أنني ابتعثت أبنائي للدراسة في الخارج على حساب ما تدفعونه من ضرائب.. وأنني عالة عليكم أتقاضى راتبا ضخما وامتيازات لا حصر لها ولا أقدم لكم شيئا..
ورأيت زعيم حزب سياسي قومي وآخر يساري يخطبان في الناس ويقولان (كل على حدة): لقد اكتشفت أن برنامجي كان خاطئا .. وسأترك قيادة الحزب لجيل جديد يصحح المسار..
كما رأيت الأستاذ عبدالمجيد ذنيبات في مؤتمره الصحفي الأخير يقول للناس: إننا نحن الإخوان المسلمين بشر مثلكم .. نصيب ونخطئ.. ونطمع في الدنيا مثل بقية الخلق.. ويتناحر أعضاء قيادتنا على الترشح للبرلمان.. ونكاشفكم أن داخل حركتنا أكثر من تيار.. وأننا سننتقل من مرحلة التكتم إلى مرحلة المكاشفة.. وأن لدينا مراكز قوى .. وأن .. وأن .. وأننا نقبل النقد ونتخلى عن اتهام كل الناس بالعمالة للأجهزة الأمنية.. وأن منهجنا التربوي كان خاطئا في العقود الماضية.. الخ
ورأيت ..ورأيت الكثير الكثير من الأحلام.
لكنني أفقت من سرحتي على صوت خميس بن جمعة الذي كان يعبث بآلة التسجيل ليسمع أغنية.. وهم.. كل المواعيد وهم..
Amann272@hotmail.com