الصفقة أبعد من فلسطين .. ورفضها عبادة!
شحاده أبو بقر
17-04-2019 03:58 PM
كل عربي وكل مسلم يعتقد بأن "صفقة القرن" ليس في أجندتها الخطيرة جدا سوى الضفة الغربية وغزة والأردن والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية، هو إنسان "طيب" بمفهوم طيبة البراءة، وإلى أبعد حد.
لا، الصفقة مشروع ديني استعماري كبير بلبوس سياسي اقتصادي غايته التمويه كضرورة. وهو مشروع كان "حلما" متروكا للزمن والظروف قبل عقود، ثم صار اليوم تحت وطأة ما يسمى بالربيع العربي، حلما قابلا للتطبيق عمليا على أرض الواقع.
خارطة هذا المشروع الديني الاستعماري الجديد، تشمل الشرق العربي كله، وهو مشروع أنتجه التحالف الصهيو إنجليكي في أواخر عهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومن وراء ظهره ليكون بديلا مخاصما وبديلا للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية.
أصحاب هذا المشروع يحملون الرئيس السابق أوباما، مسؤولية ما يسمونه التساهل مع إيران والسماح بتمدد نفوذها في عدة بلدان عربية، بينما هم، أميركا وإسرائيل يرون أنهم هم الأولى بفرض هيمنتهم الكاملة عليها، وعلى غيرها من بلدان العرب في مشرقهم.
بدأت أجندة هذا المشروع بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وفرض المزيد من الحصار عليها بهدف خنقها اقتصاديا، لإجبارها على مغادرة المنطقة أو سورية على الأقل حيث الحدود المتاخمة لإسرائيل، من جهة، ثم تثوير الشعب الإيراني ضد نظام الحكم فيها من جهة ثانية، ولهذا فلطالما صرحوا بأن الهدف ليس إسقاط إيران كدولة، وإنما إسقاط نظام الحكم القائم فيها.
تلا إضعاف إيران ومشروعها في المنطقة، الشروع في تطبيق بنود صفقة القرن تباعا .. نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل، إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، إنهاء قضية اللاجئين تدريجيا، الإقرار بضم الجولان إلى إسرائيل، ثم ممارسة لعبة التسريب الإعلامي عما تبقى من بنود الصفقة التي تنهي قضية فلسطين نهائيا بحسب رؤيتهم، وعلى حساب المملكة الأردنية الهاشمية والشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والشتات.
رافق ذلك لغايات الترغيب قبل الترهيب الحديث عن مليارات الدولارات التي ستتدفق على المنطقة، الضفة وغزة والأردن من أجل عيش رغيد لشعوبها، تماما كمن يدلل "خاروف" الأضحية بشيء من الماء والطعام قبيل ذبحه بقليل، إعتقادا منهم بأن الشعوب ستتخلى وببساطة عن هوياتها وأوطانها مقابل المال، وهم لذلك كانوا أصلا، أسموا مشروعهم الديني الإستعماري بأنه "صفقة"، وذلك وفقا لفهمهم الذي ينطوي على أقصى مستويات السطحية والاستخفاف بالعرب، لا بل بكل ما هو عربي.
في سياق سعيهم الدؤوب استعدادا لإعلان آخر فصول الصفقة، لفت انتباهي وانتباه غيري ربما أمران هما:
الأول: إعلان مرره جهاز المخابرات الإسرائيلي عبر تغريدة لأكاديمي نشط يساجل نخبا عربية كثيرة ويؤلبها ضد أنظمة الحكم في بلدانها، وبالذات دول الخليج العربي الشقيقة، يقول فيه: " إن شركة عقارية أميركية ترغب بشراء أراض في .. خيبر وتيماء .. وبسعر ألف دولار للمتر المربع، وعلى من يرغب في البيع التواصل معي على الهاتف رقم كذا"، وبعد ساعتين أو أكثر بقليل، عاد وحذف التغريدة عن صفحته، فالمهم بالنسبة له أن الرسالة قد وصلت!.
الثاني: تصريح صريح لوزير خارجية الولايات المتحدة يقول فيه، إن أميركا لن تسمح للسعودية بأن تكون دولة نووية، كي لا تهدد الولايات المتحدة وإسرائيل ! بمعنى أنه يضع السعودية الحليفة المفترضة في منزلة إيران العدوة المفترضة لبلاده !. وفي هذا تناقض يستوجب الوقوف عنده طويلا، فالسعودية الشقيقة كبلد عربي إسلامي محظور عليها أميركيا أن تكون دولة نووية! ولا يضيره في المقابل أن تحتفظ إسرائيل بترسانتها النووية التي تهدد العالم والمنطقة بأسرها!.
هذان الأمران يعنيان أن أميركا لا ترى في السعودية الشقيقة دولة حليفة كما تدعي هي "أميركا"، وأن تحديد خيبر وتيماء كمنطقة ترغب شركة عقارية أميركية بشراء أراض فيها، يعني أن الشركة صهيونية، وإن لم تكن كذلك فهي تريد الشراء لصالح الحركة الصهيونية، وذلك في إطار ما يسمى بصفقة القرن !. وبالطبع أجزم كغيري أنهم لن يجدوا مواطنا سعوديا واحدا يمكن أن يبيعهم سنتيمترا واحدا، ولا الدولة السعودية الشقيقة يمكن أن تسمح بشيء من ذلك لمعرفتها بنوايا طالبي الشراء قطعا.
وبعد: المشروع الصهيوأنجليكي مشروع استعماري ديني محطته الأولى هي القدس الشريف، وسيتمدد في فلسطين إلى كامل الحرم الإبراهيمي الشريف، ثم كنيسة القيامة فبيت لحم، وإن نجح لا قدر الله، فسيتواصل تباعا نحو المغطس مكان عماد المسيح عليه السلام، ثم مكة والمدينة والنجف وكربلاء وكل مكان مقدس عند العرب والمسلمين في الشرق العربي كله، وفشروا جميعا بعون الله.
لقد مهدوا لمشروعهم كثيرا باستخدام خوارج العصر من المسلمين، ليصوروا الإسلام العظيم على أنه دين عنف وإرهاب يجب اجتثاثه، وألبوا شعوبا كثيرة ضد الإسلام والعرب تحديدا، وأظهرونا كإرهابيين يجب أن يحكمونا لكي يحموا العالم من شرورنا !.
الخلاصة: مشروعهم الصفقة أبعد وأخطر بكثير من تصور الكثيرين منا نحن العرب، فهو استعمار ديني صهيوني متحالف مع المسيحية المتصهينة في الولايات المتحدة، ولكن بلبوس سياسي اقتصادي مخادع، وهو مشروع لن ينجو من شره عربي مشرقي واحد في فصله الأول، وغايته هي إقامة إمبراطورية تحالف صهيوإنجليكي دائم كبير لطمس الإسلام العظيم وحواضره وأهله. ليس هذا وحسب، بل حتى والأرثوذوكسية المسيحية في شرقنا العربي كله.
ختاما: الصفقة أبعد من قضية فلسطين، ورفضها والوقوف ضدها عبادة، والقبول بها خلاف ذلك، وما على العرب وانتصارا لإيمانهم ولأوطانهم، إلا رفضها وصدها، وليتركوا شعوبهم تقاومها وتعريها وترفع صوتها ليسمع العالم كله حقيقة موقفها الرافض وبالكلية لهذا الاستعمار الظالم الجديد، وستتضامن الدنيا كلها معنا، والله جل جلاله معنا.
عندها سيصدع أهل الصفقة للحق رغم أنوفهم أمام طوفان الشعوب الرافضة وهو طوفان يجب أن يبدأ في فلسطين كلها ليلحق به كل عربي وكل مسلم وكل حر منصف على هذا الكوكب ليعود الحق إلى أهله كاملا غير منقوص وفقا لإرادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
عندها ستتجلى الكرامة العربية في عز وقارها وتقف الشعوب العربية كلها مع أوطانها وعقيدتها وقادتها المنسجمين مع إرادة شعوبهم. وهنا من المهم والمطلوب جدا أن يكف بعض العرب عن تخوين أي عربي سلفا ففي ذلك خدمة عمياء للمشروع إياه، وهذا أيضا محط تساؤل عن مبرراته!!!. والله من وراء القصد.