تواجه المنظمات المعاصرة في العالم وفي المجتمعات العربية بشكل خاص العديد من التهديدات والتحديات فيما يتعلق بتنافسيتها لتحقيق الاستدامة في بيئة الأعمال, حصل ذلك بفعل الثورة الحاصلة في مجال الاتصال والتطور التكنولوجي والانفتاح الاقتصادي والثقافي المعرفي الذي تفرضه متطلبات العولمة.
تطلب ذلك مواجهة هذه التحديات بطرق مبتكرة من خلال التغيير في أساليب ونظم العمل, حيث بدأ البحث في ضرورة التحول عن مجموعة المقاربات التقليدية لممارسة العمل والإدارة, تلك التي ساهمت في انخفاض مستوى الكفاءة والفاعلية والإنتاجية، وهدر الموارد البشرية والمادية، اضافة الى تدني مستوى رضا العاملين والعملاء، كل ذلك ادى إلى ضرورة التنقيب والبحث عن ادوات و أساليب حديثة اكثر كفاءة يكون تركيزها في الأساس على الجودة والتميز في الأداء ومرفقاته من مخرجات العمليات الانتاجية.
لقد أصبح مفهوم تميز الأداء المؤسسي موضع الاهتمام والنقاش الكبير من قبل مختلف الباحثين، وذلك لأن عصرمجتمع المعرفة والمعلومات لم يعد يعترف بالعمالة العادية النمطية التي تحكمها المواصفات الوظيفية العادية التي كانت سائدة في الهياكل التنظيمية التقليدية القديمة، وانما اضحت تعتمد على العناصر التي تتسم بالتميز وتعدد المعارف وشموليتها وابتكاريتها وتنوعها، خاصة وإن المنظمات الحديثة اصبحت تتجه الى تحقيق التميز المؤسسي والتحسين في الأداء, مما فرض على العاملين في هذه المنظمات ضرورة الابتعاد عن كل ما هو تقليدي ونمطي ورتيب في الأداء والممارسات.
شهدت العقود القليلة الماضية اهتماماً كبيراً فيما يخص محاولات إصلاح التعليم بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص في معظم دول العالم, ومن ضمنه العالم العربي, والمملكة الأردنية الهاشمية بشكل خاص، وحازت مداخل تميز الأداء المؤسسي والجودة الشاملة بجانب كبير من هذا الاهتمام إلى الحد الذي جعل الكثير من الباحثين يطلقون على هذا العصر عصر الجودة والتميز, وتعتبر الحاكمية المؤسسية من المفاهيم الحديثة التي حازت في السنوات الأخيرة على الكثير من اهتمام المنظمات والباحثين والكتاب من خلال استخدامها كمدخل ونموذج لتحقيق الجودة والتميّز في الأداء المؤسسي في المنظمات المعاصرة، و يعنى هذا المفهوم بالقواعد والمرجعيّات التي يُستند إليها في ادارة وحكم المنظمة ، ولقد اجتهدت العديد من المنظمات الدولية المختصة بإيجاد التعريفات الخاصة بهذا المفهوم، فقد عرفته منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بأنه مجموعة من العلاقات فيما بين القائمين على إدارة الشركة (المنظمة)، ومجلس الإدارة، وحملة الأسهم وغيرهم من ذوي العلاقة.
تعد حاكميّة الجامعات من المفاهيم الحديثة التي حظيت بالكثير من الاهتمام في السنوات الأخيرة عبر استخدامها في تحقيق الجودة الشاملة والتميّز وتحسين الأداء المؤسسي الجامعي، ويشير مفهوم الحاكمية الجامعية الى العملية التي تعنى بتنظيم العلاقات بين مجالس الجامعة المختلفة والمتمقلة في (مجلس الادارة في الجامعات الخاصة، مجلس الأمناء، مجلس الجامعة، مجلس العمداء، مجلس القسم، اللجان الاكاديمية وغيرها), وبما يضمن توزيع الحقوق والواجبات فيما بين إدارة الجامعة ومجالس الجامعة والتي تستهدف منها في النهاية ضمان تحسين جودة مخرجاتها وتميزها في مجالات (البحث العلمي والتعليم وخدمة المجتمع).
وهنا يمكننا ان نعرف مفهوم تميز الأداء المؤسسي في الجامعات بأنه قدرة هذه الجامعات على المساهمة بشكل استراتيجي عبر التفوق في أدائها وحل مشكلاتها ثم تحقيق أهدافها بصورة فعالة تميزها عن باقي الجامعات المحلية والعالمية من خلال تميز مخرجاتها التعليمية.
أما فيما يتعلق بالأردن فقد لعب قطاع التعليم العالي في المملكة دوراً رائداً ومهماً في احداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة والمستدامة, وذلك من خلال المساهمة في تشكيل الموارد البشرية التي تساهم في تحسين المؤشرات الاقتصادية الرئيسية على مستوى الاقتصاد الكلي, وعلى الرغم من شح ومحدودية مواردها الطبيعية, فان المملكة الأردنية الهاشمية ما زالت تملك اغلى الموارد وأهمها على الاطلاق الا وهو رأس المال الفكري والمتمثل بموارده البشرية المتعلمة والمدربة والكفؤة.
تعتبر مخرجات قطاع التعليم العالي المحرك الرئيسي للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى, من خلال الأدوار المهمة التي يتولاها فيما يتعلق برفد هذه القطاعات بالموارد البشرية المؤهلة, تلك التي تملك القدرة على احداث التغيير وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة, لذلك كان واجباً على الدولة الأردنية ان تستثمر بسخاء في قطاع التعليم بكافة مساراته ومستوياته.
شهدت الحقبة الممتدة من نهاية الثمانينات الى بداية التسعينات من القرن الماضي بداية التوجه الى انشاء الجامعات الخاصة في الأردن, وقد قامت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حينها, وضمن جهود الدولة الأردنية في اعادة صياغة دورها من خلال اشراك القطاع الخاص في جهود التنمية, بوضع تعليمات تسمح بموجبها للقطاع الخاص بالاستثمار في انشاء الجامعات وادارتها, حيث شهد العام (1990) انشاء اول جامعة خاصة في الأردن وهي جامعة عمان الأهلية, ادى ذلك الى تطوير نمط جديد من الجامعات مختلف من حيث الادارة والاشراف والملكية ومصادر التمويل والأهداف الربحية اضافة الى التعليمية .
تشير بيانات هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي الأردنية (2017) الى انه يوجد في الأردن (30) جامعة, منها (10) جامعات عامة و(18) جامعة خاصة و جامعتين تصنف على انها جامعات ذات طبيعة خاصة, ويتحمل قطاع التعليم العالي في الأردن اليوم تعليم ما يقدّر بـ (304,660) طالباً وطالبة في جميع مستويات التعليم العالي الجامعي, ويوظف هذا القطاع ما يقدّر بـ (31,076) موظفاً يتوزعون ما بين الوظائف الأكاديمية والادارية, منها (10,646) من الاكاديميين و(20,430) من الاداريين.
هي حقائق ترصد مؤشرات مهمة تصب في تعميق الشعور بمدى اهمية قطاع التعليم العالي الوطني الحيوي ودورة كمشغل كبير للموارد البشرية في ظل معدل البطالة الوطني المرتفع, اضافة الى باقي التحديات الاقتصادية والاجتماعية التنموية التي تواجه المملكة الأردنية الهاشمية في وقتنا الحاضر وهي الحقائق التي يصعب على جميع المسؤولين والباحثين والمختصين تجاوزها.
الكاتب باحث في الحاكمية الرشيدة وتميز الأداء الجامعي