المستودعات ودفن المال العام !
د. هايل ودعان الدعجة
15-09-2009 06:57 PM
تعرفت الى شخص يعمل بوظيفه رئيس قسم الرقابة في إحدى المؤسسات الرسمية, ولفت انتباهي ما قاله هذا الشخص عن دوره في ضبط النفقات وترشيدها, عندما استطاع خلال الشهر الأول من تسلمه رئاسة القسم توفير مبالغ مالية طائلة. حيث كان يقوم بدراسة العطاءات وطلبات الشراء المقدمة , ويدققها و يقارن محتوياتها بالمواد المتوفرة في المستودع لمعرفة مدى حاجة الدائرة لشراء مواد جديدة . وكثيرا ما كان يلاحظ ان معظم الطلبات مكررة, وان المواد المطلوبة متوفرة في المستودع ، فيقوم بالغائها وتوفير قيمتها المالية. واحيانا تكون المواد متوفرة في المستودع ولكنها بحاجة الي صيانة فيوصى بصيانتها بدلاً من شراء مواد جديدة, وهنا يحقق وفرا في الفاتورة من خلال تخفيض قيمتها المالية ايضا..
هذا الموضوع دفعني للحديث عن موضوع المستودعات الموجودة في الدوائر و المؤسسات الرسمية و التي هي عبارة عن كنوز وثروات واموال حكومية مدفونة ومجمدة باعتبارها تحتوي على مواد وأثاث وقطع غيار مدفوعة الثمن ومن موازنة الدولة , ولكنها في كثير من الاحيان تكون غير مستغلة الاستغلال الامثل . وبما اننا نعيش هذه الايام ظروف مالية صعبة, فان الحاجة تقتضي ضرورة ضبط النفقات وترشيدها, بحيث نعرف كيف نوظف المواد المخزنة في المستودعات و نستغلها ونحولها الى روافد مالية وطنية بدل ان تبقى قبورا لدفن المال العام.
فالمستودعات ـ وكما هو معروف ـ تحتوي على مواد إما صالحة وإما انها بحاجة الى صيانة ، فاذا كانت صالحة فلماذا لا يتم استغلالها ؟ وقد تكون هذه المواد زائدة عن الحاجة.. فلماذا تم شراؤها اصلاً ؟ ولماذا لا يتم إرسالها الى دوائر حكومية اخرى بحاجة لها.. طالما انها جميعها دوائر حكومية ومخصصاتها ونفقاتها من موازنة الدولة. وقد تخزن هذه المواد لفترات طويلة دون الاستفادة منها .. إذن من المسؤول عن تجميد هذا المال العام وتعطيله, لا بل ودفنه في المستودعات ؟. وطالما ان هناك مواد مخزنة في المستودعات فان اخر شيء يجب ان نفكر به هو شراء مواد جديدة, وعلينا ان نحاول ونجرب اكثر من مرة , لا بل علينا ان نحترف فنون الصيانة من اجل توفير المال العام و المحافظة عليه. أما إذا كانت هذه المواد بحاجة الى صيانة... فيجب ان يتم هذا الاجراء بسرعة لا ان تهمل هذه المواد و تنسى وتترك لفترات طويلة ومع الوقت تصبح لا تفي بالغرض المطلوب ثم تعطى المبررات لشراء مواد جديدة لغاية في نفس يعقوب!!
كذلك فقد جرت العادة عند إقامة مشاريع حكومية ان يتم شراء بعض المواد وتخزينها على شكل قطع غيار لتكون جاهزة و متوفرة في المستقبل لغايات الصيانة , على اعتبار ان هذه المشاريع تحتاج بعد عدة سنوات الى اعمال صيانة وقطع غيار من نفس المواصفات ولا بد من توفيرها. ولا شك ان المواد المخزنة التى تم شراؤها عبارة عن اموال عامة مجمدة قد تصل قيمتها الى الاف الدنانير, ولا ندري متى يتم استعمالها, لاننا اصلاً لا ندري متى نحتاجها.. إذن لماذا تم تجميدها وتخزينها بالمستودعات ؟ ولماذا لا يتم استثمار هذه المواد كسيولة لتغطية تكاليف الصيانة من عوائد هذه الاموال بدلاً من ان نشتري قطع غيار لا ندري متى نحتاج اليها ! لا بل احيانا نضطر الى الاقتراض وطلب المساعدات من الدول والمؤسسات المالة الدولية لاننا جمدنا السيولة المتوفرة لدينا.
كل هذا يجعلنا نطالب بضرورة تشكيل لجنة مستودعات حكومية مركزية تتولى عملية الاشراف والمتابعة والرقابة ( والجرد ) على محتويات كافة المستودعات التابعة للدوائر والمؤسسات الحكومية بشكل مستمر ومفاجىء للوقوف على حالة المواد المخزنة في هذه المستودعات ، ومعرفة ما اذا كانت صالحة ام تالفة ام بحاجة الى صيانة خاصة عند طرح العطاءات واعداد طلبات الشراء وتنظيمها بحيث تتولى هذه اللجنة عملية الاشراف على عملية الشراء لتقرر مدى حاجة الدائرة الحكومية لشراء مواد جديدة ، شريطة ان نضمن البت بهذه الامور بسرعة ويسر بعيدا عن البيروقراطية والروتين وتعقيد الاجراءات .. اذن لا بد من استغلال محتويات المستودعات بما يخدم المصلحة الوطنية والتعامل معها بكل امانة ومسؤولية ، وان نفكر اولا بالصيانة لاصلاح ما يمكن اصلاحه قبل التفكير بشراء مواد جديدة ، وذلك على قاعدة ( اخر الدواء الكي ) .
هناك بعض الثغرات ولا بد من اغلاقها باحكام حتى لا يتسرب من خلالها اصحاب النفوس المريضة والضمائر الميتة . وعلينا جميعا تقع مسؤولية المحافظة على المال العام الموجود في المستودعات واستغلاله الاستغلال الامثل ، اتساقا مع مضامين الرسالة الوطنية التي اساسها الولاء والانتماء الى ثرى هذا الوطن الغالي .. والا فاننا نساهم في اهدار هذا المال من خلال اهدار واستنزاف هذا المخزون الوطني الاستراتيجي الموجود في المستودعات ، فقط لاننا لا نعرف كيف يجب ان نتعامل معه .